الخميس، 30 سبتمبر 2010

الــصــبر عـلــى الإبتــــلاء

الــصــبر عـلـى الإبـتــلاء

الإبتلاء فى اللغة هو الإختبار والإمتحان وهو سنة كونية تصيب المؤمن والكافروالطائع والعاصى على حد سواء ؛ ولكن المؤمن يعلم أن الإبتلاء سبيل لتحقيق صدق إيمانه وإخلاص نيته وقوة يقينه بالله ورسالاته ؛ والناس متفاوتون فى إبتلائهم كل على حسب درجة إيمانه وعلى قدر يقينه ونحسب المسلمين فى أعلى الدرجات وأكبر قدر ولا نذكى على الله أحدا ً هو أعلم بمن إتقى .

والإبتلاء يكون بالخير أو الشر وبالسراء أو الضراء وبالنعماء أو البأساء وبالسعة أو الضيق وبالفرج أو الكرب وبالعافية أو المرض لاحظ أن كل هذه الكلمات هى مرادفات لكلمتى الخير والشر وقد عبرعن ذلك رب العزة فى كتابه الكريم وقال : " ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون " من آيه 35 سورة الأنبياء .

وسواء أكان الإبتلاء بالشر أم بالخير فإنه خير للمؤمن فى كلتا الحالين مصداقا ً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عجبا ً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك إلا للمؤمن ؛ إن اصابته سراء شكر فكان خيرا ً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا ً له " صحيح مسلم من كتاب الزهد .

والصبر ثوابه جزيل وعاقبته مفرحة كما قال تعالى فى كتابه الكريم "ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأمول والأنفس والثمرات وبشر الصبرين{ 155 } الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه رجعون {156} أولئك عليهم صلوت من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون {157} من سورة البقرة .

وللصبر مراتب ثلاث كما ورد فى شرح بن كثير وخلاصة معانيه فى المرتبة الأولى أنه الصبر بالله والإستعانة به وإنما صبر العبد بربه لا بنفسه كما قال تعالى فى كتابه الكريم " وأصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك فى ضيق مما يمكرون {127} إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون {128} " خواتيم سورة النحل ؛ والصابرين على هذا النحو هم المتقين والمحسنين كما ورد وصفهم آنفا ً .

وفى المرتبة الثانية أنه الصبر لله بمعنى أن الباعث له على الصبر محبة الله تعالى وطلب معيته والتقرب إليه ؛ قال تعالى " يأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلوة إن الله مع الصابرن " آيه{153} من سورة البقرة . والصابرين على هذا النحو فى معية الله وقربه ورضوانه .

وفى المرتبة الثالثة أنه الصبر مع الله وتعنى دوران العبد مع مراد الله فيجعل نفسه وقفا ً على أوامره ونواهيه كما قال تعالى فى كتابه الكريم " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل أمن بالله وملئكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير {285} لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما أكتسبت ربنا لا تؤخذنا إن نسينا أوأخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا ً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به وأعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولنا فانصرنا على القوم الكافرين {286}" خواتيم سورة البقرة .والصابرين على هذا النحو هم الصادقين المؤمنين بالغيب والرسل والصابرين على أومر الله وطاعته وقضائه وقدره وكلهم أمل ورجاء فى مغفرته ورحمته ونصره .
فيارب إجعلنا من الصابرين فى كل وقت وعلى كل حال آمين .

والصبر لا يعنى الإستكانة والإستسلام للمحنة بل هو مفتاح للخروج منها بالعزيمة على مواصلة الكفاح لتحقيق الأمل والمراد كما يقول المثل الشائع " الصبر مفتاح الفرج " فالصبر صمود كبير والمفتاح إعتبار وعمل والفرج تغيير وتعديل والمثل المصرى بليغ يحتوى على حكمة وحنكة الأجداد وعميق فهمهم لمعانى الصبر كما ورد أيضا مثل شعبى يقول " من شاف بلوى غيره هانت عليه بلوته " والمثل فى كلماته صحيح وفى معناه فصيح والأجداد هنا يدعون لتهوين البلاء على النفس من بعد تدقيق النظر فى بلوى الأخرين من المبتلين ولا شك أن هذا التهوين يسبق الصبر وإن لم يكن مع الإبتلاء صبر يسبقه تهوين فسيكون هناك يأس وانتحار وكفر بقضاء الله وقدره ونسأل الله السلامة والنجاة من كل شر .

الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء المصرى أعلن عن أرقام مفزعة ومقلقة للغاية حيث تشيرالتقاريرإلى أن هناك 104000 مائة وأربعة ألف محاولة إنتحار بين الشباب من الجنسين بمصر فى عام 2009م أغلبهم من الفئة العمرية من15 إلى 25 سنه بنسبة 66% وأن جميع الحالات بسبب الفقر والبطالة والغلاء وهذا بلا شك راجع إلى ضعف الوازع الدينى وبالتالى قلة الصبر وقلة العقل وقلة الحيلة وضعف الفهم والعلم .

وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا فيه أسوة ؛ لقد كان أعظم الرسل إبتلاء فقد كذبه قومه وآذوه وعذبوا أصحابه وحاصروه ومن معه ثلاث سنوات حتى أوشك على الهلاك ؛ كما أبتلى بموت الأهل ومفارقة الأحباب فماتت زوجته خديجة وعمه أبوطالب وأستشهد عمه حمزه ومع كل هذا كان صلى الله عليه وسلم مثلا ً يحتذى فى الصبر على البلاء .

وكما كان الإبتلاء سنة مع الأنبياء كان سنة مع المؤمنين الصالحين على مر السنين ونحن اليوم قد أبتلينا بفقد عزيز لدينا أب وأم وأخ وصديق وقريب فيارب نسألك الصبر والرضا بقضائك .
وأبتلينا .. بفقد المال والصحة .
وأبتلينا .. بسجن قريب أو أخ وصديق .
وأبتلينا .. بالمذاهب الضالة تشكك فى الثوابت .
وأبتلينا .. بشباب ليس له فكرولا يستفيد بتجربة الأخرين .
وأبتلينا .. بالتاجرالمحتكر يتسبب فى نقص الأقوات وغلاء الأسعـر.
وأبتلينا .. بنظام تعــليم يخــرج جهلاء فــى الدين والعــمل والفــكر .
وأبتلينا .. بشبكة الإتصالات تضيع الوقت بمعلومات أغلبها مغلوط .
وأبتلينا .. بقيادات مهزومة ليس لديها إلا التقليد وبدون ضوابط .
وأبتلينا .. بالمسئول الظالم يفسد كل ما تطوله يداه وبكل قسوة .
وأبتلينا .. بمجتمع تسود فيه الأنانية ويتجاهل حقوق الأخرين .
وأبتلينا .. بوسائل إعلام فاسدة تعصف بكل القــيم والآدآب.
وأبتلينا .. بدولة إسرائيل تفسد وتعربد وتغتصب الحقوق .
وأبتلينا .. بدولة أمريكا تملك القوة ولا تعرف العدل .

يبقى أن نقدم للقارئ الكريم نموذجا للصبر على الإبتلاء فى وقتنا الحاضر إنه صبر الشيخين عبود الزمر وطارق الزمر على محنة السجن الطويل فعلى الرغم من إستمرار حبسهما على ذمة حادثة الإغتيال الشهيرة فى أكتوبر 1981م وحتى الأن ولمدة تقترب من الثلاثين سنة إلا أنهما لم يفقدا الأمل والرجاء بدليل أنهما يتابعان الأحداث والقضايا المهمة ويدليان فيها بالرأى الحسن والفكر الصواب على صفحات الصحف المستقلة ومواقع الشبكة العنكبوتية فأعطوا لنا دروسا ً مهمة فى علو الهمة ؛ والشيخين متمسكين بحقهما فى ممارسة العمل السياسى والإجتماعى والدعوى وقد أعلنا أن إطلاق سراحهم حق قانونى وليس منحة من مسئول .
ونحن إذ نؤكد على أن محنة الشيخين فى سجنهم الطويل هى محنة فى سبيل الله ونصرة الإسلام وهذا شرف لنا ما بعده شرف .

وللشيخ/ عبود كلمات رائعة ومهمة تدل على عميق فهمه للصبر بمعناه الواسع المتسع فيقول مانصه : ... ويلزم الإعتبار والعمل على الإستفادة من المحن والإبتلاء فنخرج منها بحالة أفضل مما كنا عليه راضين بقضاء الله فينا مجتنبين المعاصى والذنوب عاقدين العزم على مواصلة الطريق نحو أهداف الأمة الإسلامية وإعلاء كلمة الله تعالى ونصرة الحق والعدل الذى فيه نجاة المجتمع بأسره من عقاب ينتظر العصاة والمخالفين عن أمر الله ونسأل الله السلامة وحسن الخاتمة . إنتهى

نموذج آخر للصبر على الإبتلاء فى جيل الأجداد نقدم له بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " أو كما قال ؛ والوصب هو المرض الملازم وقد أبتلى به الأستاذ/ مراد بيك حمزه الزمر فى أواخر سنوات عمره أبتلى به فى جسمه وقوته فأصبح قعيدا ً لا يقوى على الحركة وفى لسانه فأصبح لا يقدر على الكلام بعد أن كانت همته الحركة وصناعته الكلام ؛ لقد كان وكيلا ً لوزارة الصحة وعضوا ً فى البرلمان المصرى عن حزب السعديين فترة ماقبل الثورة المباركة ؛ يرحمك الله يامراد بيك فلقد كنت خدوما للصغير والكبير كنت تقدم الخدمة لطالبها وتعطيه إحساسا بأنه صاحب الخدمة والفضل ولم تغلق باب مكتبك بالوزارة فى وجه أحد وأجمع كل من عرفوك أنك كنت رمزا ً لزمن نبيل إنتهى وانتهت معه النبلاء ؛ وما أظن هذا الإبتلاء إلا تكفيرا ً للذنوب ليظفر مراد بيك بما وعد به الله الصابرين ويسكنه فسيح جناته .

ومع كل هذه الإبتلاءات مالنا إلا الصبر والصمود والبحث عن الحلول ورفع المظالم ورد الحقوق بما يتفق وشريعتنا المسلمة إمتثالاً لأمر ربنا العزيز القائل فى كتابه الكريم " والعصر؛ إن الإنسن لفى خسر ؛ إلا الذين أمنوا وعملوا الصلحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " وثقة فى قول رسولنا الكريم كما جاء فى الحديث الصحيح ".. وأعلم أن النصر مع الصير وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا ً .." صدقت ربنا وتعاليت وبلغ رسولك الكريم ونحن على ذلك من الشاهدين المتصبرين والحمدلله رب العالمين . &&&&&&




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق