الخميس، 10 فبراير 2011

الـحـلـقـة الـثـانـيـة مــن " ســيرتــى فــى وظـيـفـتــى "

الحـلقـة الثانيـة
مـــن
سـيرتى فى وظـيفـتـى


أوصاف العمل فى الإسلام نابعة من الأخلاق وكل وصف منها نابع من خلق يناسبه والحق والواجب والشرف هى من أبرز هذه الأوصاف ؛ فالمرء بإعتباره عـضوا ً فى جماعة فلا بد له من وظيفة يؤديها فهى حق له وواجب عـليه أن يعملها وعـندما ينجح فيها يناله الشرف والمكانة والتقدير ؛ ومجمل القـول هـنا أن الفرد له حـق أداء الوظيفـة ويجـب عـليه أن يؤديهـا ويحافـظ عـليهـا بكـل أمانـة وطهـارة وقـديما ً قالت الأجـداد فى المـثـل الشعـبى " الـيد البطـالة نجـسـة ".

ولنا فى رسـول الله أسـوة حسنة ؛ إنه يأخذ بمبدأ العمل حتى وهويستقبل صباه الأول فيرعى الغنم لقريش على قراريط بظاهر مكة ؛ وفى صباه يخرج إلى بلاد الشام مع العير فى التجارة ؛ وفى مطلع شبابه يدخل فى المفاوضات لوقف الحـروب وتحـقيق السـلام ورفع الظلم ؛ وهكـذا كان رسول الله يؤدى العمل الذى يناسـب مرحـلـةحياته ولم يخـلد للـراحـة بحجة أنه إبن الأكرمـين لا لا لقد ضرب لنا المثل بأن الشرف كل الـشـرف فى العمل وكفى ؛ وإنطلاقا ً مـن كل هـذه المفـاهـيـم الواعـيـة أخذت أساعد زملائى والمرؤسـين فى أعـمالهم المنوطة بهـم بكل همة وإقتدار حتى صرت أعمل أنا بينما الأخرين ينظرون وينتظرون ؛ وعـندما يقول زميل لآخر تعليقا ً على هذا الوضع " أنت قاعـد تتفـرج وأحمـد الـزمـر يعـمـل لـوحـده !!هـل أنت أحـسن منه ؟ " كنت أصحح هـذه المقـولة للزميل وأقول :------ " الصح أن تقول له أحمد الزمر يعمل وأنت تتفرج عليه !! هل أحمد أحسن منك ؟ " فالذى يعمل هو الأحسن وأستمر فى إنجـاز العـمـل بهـمة عـالية وأقـول فى مرح ومزاح : أهـم شـئ الروح المعنوية العالية .

ومن المواقف التى لا أنساها ذلك الموقف الذى حدث فى ميزانية 1982م فى ذلك العام تغيرت أسعار البضائع لأكثر من مرة على فترات الأمر الذى نتج عنه بعض فروق الأسعار بالزيادة فكنت أقوم بإحتسابها وتعليتها بحساب الدائنة باسم العميل على أن نستدعيه ليحضر لصرفها وكان من مفهومى وقتها أن أحتسب الفرق حتى لوكان مبلغ ضئيل جدا ً وبالطبع كثرت أسماء العملاء الذين لهم فروق تتراوح بين خمسة قروش وأقل من جنيه ؛ السيد الأستاذ / سامى شكرى رئيس حسابات فرع كرداسه أشار بانه لا يجب تعلية المبالغ الضئيلة لأن العميل لن يأتى لصرفها ولكنى قلت : لوكان هذا المبلغ الضئيل مطلوب من العميل لذهبنا إليه وطالبناه بسداده فالعدل أن أحتسب الفرق للعميل لصرفه !!! ولكن فى نهاية السنة المالية وجدت أسماء كثيرة ضمن الأسماء المعلاة بكشوف حسابات دائنة للعملاء ولكل منهم مبالغ ضئيلة الأمر الذى سيتسبب فى حدوث مشكلة مع الجهاز المركزى وربما مجازاة المتسبب وبالتالى إقتنعت برأى الأستاذ سامى وقمت بإجراء قيد تعديل بكل الفروق المحتسبة أقل من جنيه واحد وسددتها للإيراد خاصة وأن هؤلاء العملاء لم يتقدموا للصرف منذ شهور !! وهكذا كنت حريصا ًعلى أداء الحقوق وأعتز بهذا المسلك وأقول لأى عميل يتشكك فى حسابه : لا تخاف أنا هنا أحسب بالحق ولولك جنيه سنرده لك كما لوكان عليك جنيه سنطالبك به !!

موقف آخر تذكرته اليوم فرأيت أنه من الأهمية بمكان ويبرهن على إنضباطى فى العمل مهما كانت الظروف ؛ إنه موقفى فى أيام المطر وإنزلاق الشوارع الترابية خاصة شارع السهراية التجارى فالجميع سواء سائقين أو مشاه يحذرون المرور منه لشدة التوحل فيه ولكنى أخرج فى الصباح مبكرا ًوقد وضعت أرجل البنطال داخل الشراب وأمشى أنقل الخطى فى حذر وأقول مع كل خطوة "لا حول ولا قوة إلا بالله " نعم إنها مغامرة تحتاج لستر من الله وتوفيق وإلا ستكون العواقب وخيمة والأهالى المحتجزين أمام بيوتهم على جانبى الطريق يعلمون ذلك تماما ً لذا فهم يتعاطفون معى بالنصح والدعاء ومتفقون قولة رجل منهم " على مهلك ياأستاذ أحمد
إرجع وخذ أجازه النهارده " وأنا أشير اليهم وأقول " ربنا يسترنا " .

لقد كان من مفهومى أن عددا ًمن الزملاء سيتغيبون عن البنك بعذر المطرلذلك فإنه من واجبى أن أكون متواجدا ً لأعمل مكانهم ولا يتعطل العمل ؛ وكان الشيخ / منتصر حارس البنك النهارى يعلم صعوبة الوضع فى ناهيا أيام المطر فيسألنى عندما يسمعنى أضرب بحذائى على الأرض لأنفضه من الأوحال فيقول : أستاذ أحمد كيف جئت ؟ فأقول : جئت بلا حول ولا قوة إلا بالله وراكب حمار أو راكب عربية جازأوسيرا ً على الأقدام .
وفى هذه الظروف تكون المواصلات صعبة وربما منعدمة !! وفى يوم من هذه الأيام كنت واقفا ً عند القنطرة الغربية أول طريق أبورواش فمر بى الأخ حسين جعفر يركب حمارته فى طريقه لأبى رواش فقال : يأستاذ أحمد تعالى إركب !! ربما كان يريد الضحك وهذا هو الأرجح فهو واثق أنى لن أركب معه !! ولكنى قلت له : قف واقترب ! وعلى الفور قفز من على دابته وأمسك بلجامها حتى ركبت وأمسكت باللجام بينما قفز هو وركب من خلفى مسرورا ً يضحك .

وفى يوم آخر مثيل لم أجد وسيلة إنتقال فمر بى الأخ/ سعد شلش يركب حنطور عربة الجاز فأشرت نحوه فوقف فصعدت وجلست إلى جواره وأمسكت بلجام الحصان أضربه ليسرع بينما هو يضحك وبعض المارة يشيرون نحوى بالتحية ! وصلنا إلى دكان الحاج / عبدالله أبوعامر المقابل لمقر البنك فلما رأنى وقف مندهشا وأنا أضحك وأقول له : أنا جئت لك بالجاز فى عز المطر !!

وفى أيام كثيرة إلتقيت بالأخ / سميرالحلفاوى .. ويعمل مدرسا ً بمدرسة أبورواش أو بالأخ/ عادل عتمان .. ويعمل بمشروع المقاولين العرب بأبى رواش أو بالأخ / نصرالزمر.. ويعمل بإدارة البساتين بأبى رواش فعندما نلتقى ونقف ولا نجد مواصلات نتوجه سيرا ًعلى الأقدام بالخطوة المعتادة النشيطة فنصل فى نحو ثلث الساعة والمسافة نحو ثلاث كيلومترات وهكذا كان همى هو الحضور فى عملى وبأى وسيلة إنتقال متاحة .

فى عام 1990م تم الأخذ بنظام المراجعة الداخلية بكل موقع وتم إختيارى لهذه الوظيفة بالإ ضافة لعملى المختص به كاتب البضائع بأنواعها والأستاذ العام على أن تكون المراجعة بنسبة 100% لجميع أعمال البنك فقمت بالمراجعة والتوقيع بالمداد الأحمر داخل ختم المراجعة ؛ فلما حضر مفتش البنك الرئيسى شكرنى على الجهد المبذول وقال : لم أجد مراجع مقيم يطبق تعليمات المراجعة إلا أنت !!
الأستاذ/ عبدالله ابوبكر من عملاء البنك ويعمل مدرسا ً لما علم أنى تعينت مراجعا ً مقيما ً بالبنك وأن جميع اامستندات لابد أن تعرض علىّ للتوقيع عليها إقترح كتابة كارت تعارف لوضعه على مكتبى فأخذ مفكرة جلدية كانت موضوعة أمامى لها مجسم هرمى الشكل وذهب بها على وعد أن يعود بعد يومين وبالفعل عاد وقد كتب عليها بخط يده وباللون الأبيض :
المحاسب / أحمد الزمر
مراجع البنك

مرت الأيام والسنين وتغيرت قيادة البنك عدة مرات وكلما جاءت قيادة وجدتها على عـلـم بى وبأهـمـية مكانتى بالبنـك فـيتعـاملـون معـى بكـل تقـدير وإحترام وبحمد الله وجـدونى عـند حـسـن ظنهـم ؛ عـن هـذه المعانى تكلم أ/ عـلى قـرنى مدير البنك فـى 1993م وقال : أحمد الزمر يعمل فى صمت دون صياح أوتعـقـيد حـتى يظن من لا يعـرفه أنه لا يعمل !! وهـذه مـيزة قـلمـا تجـدهـا فى موظف ومنذ حـضـورى لبنـك أبورواش لم يتأخر يوما ً لساعة عن موعده فى الصباح ولم ينصرف قبلى إطلاقا ً؛ كما أنه حاز ثقة جمهور المتعاملين فتجد العميل بمجرد أن يدخل مقـر البنك يتلـفـت لرؤية أ/ أحمد ليسـلـم عـليـه ويطلب مايريد فـيسـرع أ/ أحمد فى إستقباله بكل بشاشة ويقضى له طلبه أو يوصى زميلا أخر بالقضاء ؛ والعجيب أن العديد من المتعاملين ينصرفـون من البنك فى حاله عـدم تواجد أ/ أحمد ويرفـضـون التعامل مع أى زميل أخر وكلهم متفـقـون على عـبارة واحـدة مضمونهـا : أنا سـوف أحضر بكره للأستاذ أحمد لأنه يعـرف طلبـى !! لكل هذه المميزات إستحـق أحمد الزمر أن يحصل على أعـلـى درجـة فـى التـقـريـر الـسـنـوى الـسـرى عـن جـدارة .إنتهـى

وحـب الجمهـور لـشـخـصى لم يأتى بالصدفة ولكنه جاء نتيجة لمنهـج كريم ومتأدب إلتزمته معهـم !! وعلاوة عـلى سـرعة الأداء وحـسـن الإستقبال كنت حريصا ًعلى شراء بعـض الحلوى والشيكولاته يوميا ً وأعـطيهـا للصبيان والبنات الحاضرين مع الـجـمـهــورفى قـفـشـات و حـوارات قـصـيرة فـيفرحون ويفرح آبائهم ؛ أو أعطيها لبعض الرجال الذين لهم مكانة خاصة فى نفسى فيفرحون بها كما يفرح الصبيان .

وفى مدة خدمتى ببنك أبورواش حرصت على حضور تشييع الجنازات لدرجة أن الأهالى كانوا يلحظون حضورى أوتغيبى وعندما يلتقون بى فى اليوم التالى بالبنك أجدهم متفقون على إستفهام واحد مضمونه : نحن لم نراك فى جنازة المرحوم فلان بالأمس أكيد أنت كنت أجازة ولم تعلم !! السادة مديرو البنك كانوا متفقين أيضا على مقولة واحدة مضمونها : أحمد الزمر يزيل عنا الحرج بحضوره جنازات المتوفين من عملاء البنك وأقاربهم !! وإذا جاءهم لوم من أحد العملاء لعدم حضورهم فى جنازة قريب يقولون : أ/ احمد الزمر حضر وهو يمثلنا فمن تريدون أكثرمن هذا !! فتلهج ألسنتهم بالثناء والشكر .

ومن المواقف الضاحكة والتى تدل على تقدير أهالى أبورواش كبيرهم وصغيرهم لشخصى ذلك الموقف الذى حدث فى فرح إبنة المهندس / سعيد الشربينى بينما نحن قعود وزملائى العاملين بالبنك فوجئت بالعريس يقبل نحوى ويخصنى بالتحية ويقول : طبعا ً أنت مش عارفنى ياعم أحمد ! أنا فلان إبن فلان وأعرفك من نحو عشر سنوات لقد أنقذتنى من إصابة قاتلة ! لقد مررت علينا وأبى يضربنى بالعصا وبشدة فأسرعت نحونا ونهرت أبى وأخذت منه العصا عنوة وأتحت لى فرصة الفرار من أبى !! ومن يومها عرفتك .
ونكتفى بهذا القدر ونلتقى فى الشهر القادم بالحلقة الثالثة من مسلسل سيرتى فى وظيفتى والسلام عليكم . &&&&



السبت، 5 فبراير 2011

حكــايــات وعــبرات

حكـايـات وعـبرات

حـقيقة إن الإنسان لا تكـفيه المقالة فحـسب بل لا بد مـن موقـف قـدوة ومثل نموذج يحتذى به ؛ وغالبا ً ما يكون الموقف أوالمثل أعمق أثرا ً من المقالة ؛ ولقد أحسست أنا بهـذا الشعـور مع سماعى لبعـض الحكايات فتساقـط دمعى بغـزارة ؛ لذا ألتمس الفرصة لنشر عدد منها على صفحات هذا الموقع حتى تتسع الفائدة وعلى بركة الله نبدأ مع حكايه : --- {الإمام على بن أبى طالب وتجارته مع الله} .

ورد بالأثر أنه كان فى بيت على بن أبى طالب رضى الله عنه خمس من الأنفس هم فاطمة زوجته والحسن والحسين بنيه والحارث خادمه إضافة لعلى رب البيت ؛ فى ذات يوم لم يذوقوا طعاما ً وباتوا ليلتهم على الطوى جياع !! وما إن أًصبحوا حتى دفعت فاطمة بنت محمد رداءها إلى زوجها ليبيعه ويقتاتوا بثمنه ؛ وذهب على إلى السوق فباعه بستة دراهم وبينما هو فى طريق عودته للبيت لقى جماعة كاد الجوع يقتلهم فآثرهم بالدراهم الستة على نفسه وزوجته وأولاده وأعطاهم الدراهم كلها !!
وما أن تجاوزهم بخطوات حتى أقبل عليه رجل يسحب ناقة وألقى عليه السلام ثم قال : يا أبا الحسن ألك فى شراء هذه الناقة ؟ قال على : ما معى ثمنها ! قال الرجل : خذها وأد ثمنها حين يفتح الله عليك ! قال على : بكم تبيعها ؟ قال : بمائة درهم ..
إشتراها على وأخذ بزمامها وذهب فقابله رجل آخر فقال له : ياأبا الحسن أتبيع هذه الناقة ؟ قال : نعم .. قال : بكم إشتريتها ؟ قال : بمائة درهم .. فقال الرجل : أزيدك
عليها ستين درهما ً فباعها له وذهب قاصدا ً بيته فلقيه الرجل الأول فقال : أين الناقة ياأبا الحسن ؟ فقال : بعتها وهاك حقك المئة .. ثم هرول على رضى الله عنه إلى بيته وقص على زوجته الحكاية وقال : لقد تاجرت مع الله بستة دراهم فأعطانى ستين كل درهم بعشرة دراهم ! فقالت زوجته : والله لا نأكل منها حتى نعرض الأمر على رسول الله فأقبلا على رسول الله وأخبراه بالحكاية فابتسم صلى الله عليه وسلم وقال : " أبشر ياعلى .. تاجرت مع الله فأربحك .. فالبائع جبريل والمشترى ميكائيل .. والناقة مركب فاطمة فى الجنة .. ياعلى أعطيت ثلاثا ً لم يعطها غيرك ..
لك زوجة سيدة أهل الجنة .. وولدان سيدا شباب أهل الجنة .. ولك صهر هوسيد المرسلين ..فاشكر الله على ما أعطاك واحمده فيما أولاك " .
والحكاية تبين لنا كيف يكون الصبر على البلاء وكيف يكون الإثار فقد أعطى الجوعى كل ما معه من دراهم وتوكل على الله ولم يقل بيتى أولى منهم فكان حقا ً على الله أن يقف إلى جواره فأرسل كبار الملائكة لنجدته ومكافئته وهكذا كانت المواقف أكبر أثرا ً من القول । &&&

مع حكاية :--- { زيـد بن الـدثـنـة وحـبه لـرســول الـلـه}

ورد بالأثر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إبتعث عشرة من أصحابه لتعليم قوم الإسلام وكان الصحابى زيد بن الدثنة الأنصارى منهم ؛ وفى الطريق غدروا بهم وأخذوا زيدا ً وأسروه وباعوه للمشركين فى مكة فأشتراه صفوان بن أمية القرشى ليقتله ثأرا ً لأبيه أمية ؛ و ساومته قريش على إيمانه ولكنه رفض فصلبوه على بعد أميال من مكه فى سنة خمسة للهجرة ؛ وجاءه أبو سفيان يقول : يازيد .. أسألك بالله
ألا تحب أن تكون أنت الأن معافى فى أهلك ومحمد بن عبد الله هنا عوضا ً عنك مصلوبا ً ويعذب ؟ فغضب زيد أشد الغضب وقال : لا لا والله ياأبا سفيان .. ما أود أن أسلم لأهلى وعيالى ونفسى ونبى الله يصاب بعثرة فى أصبعه .. فقال أبوسفيان :
ما رأيت أحدا ً يحب أحدا ً كحب أصحاب محمد محمدا ً !!!ً
هكذا كان ثبات إيمان المسلمين فى صدورهم مع حداثة إيمانهم كالجبال الرواسى فى مواجهة العدو حتى الموت ؛ وكان أحد الشعراء يشهد هذا الحوار فعبر عنه فى أبيات وقال :

أسـرت قريش مسـلما ً فى غـزوة ... فـمضى بلا وجـل إلى السـياف
سـألوه هـل يرضـيـك أنـك سـالـم ... ولـك النـبى فـدى مـن الإتـلاف
فأجاب كلا لا نجـوت من الردى ... ويصـاب أنـف محـمـد بـرعـاف

والحكاية تبين لنا كيف يكون الثبات على العقيدة والإيمان مهما كانت الصعاب والمغريات فالرجل كان مستضعفا ً لا رهط له كذلك النبى لا يستطيع نصرته ومع هذا لم يفكر بالنجاة بنفسه مقابل كلمات يتمنى فيها الأذى للحبيب محمدا ً وهكذا كان الموقف مخلدا ً فى ذاكرة التاريخ يعطى القدوة والمثل للأجيال . &&&

مع حكاية :--- {الأمير الحجاج والأعرابى الصائم }

دعا الحجاج أعربيا ً ليأكل معه فقال الأعرابى : دعانى من هو خير منك فلبيته ..
فقال الحجاج : من هو ؟ فقال الأعرابى : ربى دعانى للصوم فصمت .. فقال : كل اليوم وصم غدا ً .. فقال الأعرابى : أتضمن لى الحياة لغد ؟ فقال الحجاج : لا .. فقال الأعرابى : فكيف أبيع حاضرا ً بآجل !! فقال الحجاج : إنه طعام لذيذ طيب .. فقال الأعرابى : والله ماطيبته أنت ولا طيبه طاهيك وإنما طيبته العافية !! فقال الحجاج : صدقت ولكن اليوم شديد الحر !! فقال الأعرابى : وأنا صمت ليوم أشد منه حرا ً !!
فقال الحجاج : إن فطرك اليوم خير لك .. فقال الأعرابى : " وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون " فقال الحجاج : هديت يارجل .. فانصرف راشدا .
وهكذا تكون عزة الإيمان مع فقه الإسلام فالأعرا بى من العامة يتحاور مع الأمير الحجاج بن يوسف بكل عزة وكرامة لأنه يعى تماما أن العزة لله ولرسوله والمؤمنين فأعطى لنا مثلاً فى ذاكرة التاريخ . &&&

مع حكاية : --- { سماحة عمارة وكيد الرشيد}

من أعجب الحكايات التى وردت بالأثر تلك الحكاية التى زاعت عن رجل إسمه "عمارة " فى أيام أمير المؤمنين الرشيد فقيل أن عمارة هذا قد زاع سيطه بالعقل والتدبير والعلم والحلم والكرم والسخاء والتواضع وترك الجدل ولو كان على حق حتى أنه كان يتيه على أمير المؤمنين هارون الرشيد وينافسه فى المكانة والشرف !!! فلما اغتاظ الرشيد منه قال يوما ً لجلسائه إن عمارة قد ذهب فى التيه كل مذهب وأحب أن أضع من شأنه فقيل له لا شئ أوضع للرجال من منازعة الرجال والرأى ان يؤمر رجل ليدعى أفضل ضيعة له أنه غصبها إياها !!! فلما دخل عمارة الى المجلس قام الرجل فتظلم منه وشنع عليه فقال الرشيد: أما تسمع ما يقول الرجل ياعماره ؟ فقال عمارة :من يعنى ؟ فقال الرشيد: يعنيك أنك غصبت ضيعته فقم وأجلس معه مجلس القضاء ! فقال عمارة : إن كانت هذه الضيعة له فلست أنازعه فيها وإن كانت لى فقد جعلتها له هدية !!! فانقطع الكلام وإنفض المجلس فلما إنصرف عمارة أخذ يقول لرجل كان معه من هذا المدعى فإنى لم أنظر إليه !! فلما علم الرشيد بذلك قال والله لقد سوغنا له تيه علينا وله الحق .
والحكاية واضحة وتعطينا المثل والنموذج فالرجل بعلمه ودينه ومعاملته مع الناس بفقه السنة النبوية الشريفة أصبح له مكانة بين الناس تفوق مكانة الأمير وأصبح مضربا ً للأمثال فى زمانه فلما دبر له الأمير هذه المكيدة تصرف بما يؤكد أنه جدير بهذه المكانة الممتازة . &&&

مع حكاية :--- { مراد بيك ومبيضى النحاس }

الأستاذ / مـراد ابراهـيم حمزه الـزمر عـضو مجـلس النـواب المصرى عـن دائرة ناهياأظهـر وطنية وإنتماء لأسـرته وقـريته بشكل جعـله جديرا ً بالنجاح فى حـياته العـملية والسياسية وهناك مواقـف كثيرة تؤكد ذلك الإنتماء والتواصل مع المجتمع والناس ؛ ولو أردنا وصفا ًومعنى للإنتماء لكنت أنت المثل والقـدوة لهـذا الإنتماء يامـراد بيك وسوف نرى ذلك فى سطـور الحـكاية التالية وسمعـتها من أمى يرحمها الله نقلا عن والدى العمدة يرحمه الله وكان شاهد عيان !! والحكاية تدل على تواضع أجـدادنا خـاصة مع الضعـفاء مـن أهـالى الدائرة .

مراد بيك كان عضوا ً فى مجـلس النواب المصرى وفى نفـس الوقت يشغـل منصبا رفـيعا ً بالوزارة مما أعـانه عـلى تقـديم العـديد والعـديد من الخـدمات لأهـل الدائرة ؛ ولما كانت السيدة والدته / هـانم الدالى من قـرية منشية البكـارى وبرا ً بوالـدته فــقـد أصدر تعليماته بأن كل من يأتى إلى مكتبه من قرية والدته لابد وأن يدخل على الفور وبدون إنتظار وكان من عادته يرحمه الله أنه يستقبلهم عند دخولهم عليه بقوله مرحبا ً بأخوالى !! وكان قدرا ً أن وقعت بعض المشكلات لمبيضى النحاس وكانت عملية تبيض النحاس من الأعمال الهامة فى ذلك الوقت حيث كانت كل الأوانى المستخدمة من النحاس ولاغنى عن تبييض النحاس فشكلوا وفدا ً منهم للذهاب الى مراد بيك ليعرض عليه المشكلة وذهب الوفد ثلاثة من مبيضى النحاس ذهبوا بملابسهم التى كانوا يعملون بها ولم يهيئوا أنفسهم لمثل هذه الزيارة فاعترضهم الحراس والقائمين على الأبواب ولكنهم قالوا نحن من المنشية فكان ولابد أن يدخلوا على الفور حسب تعليمات مراد بيك المشددة ودخل ثلاثتهم بهيئتهم البسيطة والمهملة وكانت المفاجاة التى أخجلت تواضع كل الحاضرين بالوزارة ومنهم والدى العمدة / عبداللطيف !! لقد نهض مراد بيك مسرعا ً فى استقبالهم يقول مرحبا ً بأخوالى !!! وهكذا سجل مراد بيك مثلا ونموذج للتواضع مع الضعفاء فكان جديرا ً بأن يتربع فى قلوب الناس وأجمع كل من عرفوه وتعاملوا معه على أنه كان رمزا ً لزمن نبيل إنتهى وانتهت معه النبلاء . &&&

مع حكاية : --- { العمدة وكسوة الغاضبات }

فى نهاية السبعينات من القرن الماضى سمعت حكاية من إمرأة عجوز إقتربت من السبعين و عندما التقت بى وعرفت أنى نجل المرحوم العمدة فقالت " كنت غضبى من زوجى وتركت له البيت وذهبت لبيت أبوى وذهب زوجى الى العمدة ليشكونى له ؛ فأرسل العمدة فى طلبى فذهبت اليه فى الدوّار فسألنى عن سبب تركى لمنزل زوجى فقلت له : أنا طالبته بكسوة لى ولإبنه الصغير من شهرين ولم يأت بشئ حتى الأن !! فقال العمدة : أين كسوتها يارجل ؟ فقال الزوج : العين بصيرة واليد قصيرة ياحضرة العمدة ! وفوجئنا بالعمدة ينادى على أحد الخفراء فجاء مسرعا ً ! وارتجف زوجى من الخوف لقد ظن أن العمدة سيأمر بحبسه أو حبسى ولكن وقع مالم يكن فى الحسبان ولا يخطر ببال !!! لقد أخرج العمدة من جيبه نقودا ً أعطاها لذلك الخفير وهمس فى أذنه بكلمات لم نسمعها فخرج الخفير مسرعا ً !! وانشغل العمدة بمقابلة رجال آخرين توافدوا عليه وبعد ساعه نادى العمدة على زوجى قائلا خذ كسوة زوجتك وولدك ثم أشار لى وقال إمشى روحى معاه !! فصحت أنا وقلت ربنا يخليك ياعمدة ويطول لنا فى عمرك واندفع زوجى نحو العمدة يريد تقبيل يديه فاعترضه أحد الخفراء وقال حضرة العمدة لا يحب هذه الأمور وخرجنا من الدوّار وعدت إلى بيت زوجى فلما علمت النسوة من الجيران وأقاربى بالكسوة التى أعطاها لنا العمدة كانت تعليقاتهن لا تزيد عن قول إحداهن " يا حلاوه أنا حغضب علشان العمدة يكسونى " ولما علمنا بخبر خروجه من العمدية بتنا فى نكد وحزن كباقى بيوت البلد .
وفى هذه الحكاية أمسكت عن ذكر الأسماء مع علمى بها حتى لا ندخل فى دائرة المن والأذى المنهى عنه شرعا ً؛ وعموماً فقد تحققت الفائدة المرجوة وتبين لنا صفات كريمة وخصال حميدة عمل بها العمدة فأعطى نموذجا ً ومثلا ً مشرفا ً للعمد ولأسرتنا ولقريتنا ناهيا خاصة وأن الفكر السائد فى أجهزة الإعلام يشوه صورة العمدة عموما ًويظهره على أنه متكبر أو ظالم بما يعتبر تجنى واضح وفاضح على هذه الشخصية التى كانت تعتبر من الأهمية بمكان.

مع حكاية : --- { الإمام الشافعى والأمور الثمانى }

حكاية فى الأثر مؤثرة وعجيبة أختم بها هذه الحكايات وحتى لا نطيل عـليكم فلقد ورد أن الإمام الشافعى رضى الله عنه كان فى حلقة علم يدرس الفقه فلما أعطى الفرصة للأسئلة جاءه سؤال فصيح من أحد تلاميذه قال :- يا إمام ما هو الواجب والأوجب والعجيب والأعجب والصعب والأصعب والقريب والأقرب فكان رد الإمام فصيحا ً أيضا وموجز ومؤثر فقال الشافعى : ---

مـن واجـب الناس أن يتوبوا --- لكـن تـرك الـذنوب أوجـب
والدهـر فى صرفه عـجـيب --- وغـفلة الناس عـنه أعجــب
والصبر فى النائبات صعب --- لكن فـوات الثـواب أصـعـب
وكــل مــا ترتجـى قــريـب --- والموت مـن دون ذاك أقرب

فاحرص أخى القارئ أن تكون من سكان الخلد وأعمل الصالحات وكن من خير البرية والله ولى التوفيق والحمد لله رب العالمين .&&&