الخميس، 22 أكتوبر 2009

فــى ذكــرى الـشــهــيـد أحــمــد عــبــود

فـى ذ كـرى الشـهـيد أحـمد عـبود
هناك ألوان من اللهو الحلال شرعها الإسلام لما لها من أثر كبير فى ترويح النفس وإستعادت نشاطها وحيويتها مثل الجرى على الأقدام وقد كان الصحابة رضوان الله عـليهم يتسابقون عـلى الأقدام والنبى يقـرهم عـلى ذلك ؛ وهناك المصارعة بالأيدى والأكتاف ؛ وهناك اللعـب بالحـراب والعصى وهناك مهارة ركوب الخيل والسباحة ؛ ولقد شرع الإسلام ممارسة هذه الألعاب من أجـل أن تأخذ الأمة بأسباب القـوة والنصر والسيادة ؛وتحقـيقا ً لقول رسول الله صلى الله عـليه وسلم" المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف " وقول عـمربن الخطاب" عـلموا أولادكم السباحة والرماية ومروهم فليثبوا عـلى ظهورالخيل وثباً.
ولقد ورد فى الأثر أن النبى صلى الله عليه وسلم صارع "ركانة " وكان رجلا شديدا ً فقال: شاة بشاة يامحمد ؛ فصرعه النبى فقال: عاودنى فى أخرى يامحمد فصرعه النبى فقال: عاودنى فصرعه النبى ثالثة فقال ركانة: ماذا أقـول لأهـلى ؟ شاة أكلها الذيب وشاة هـربت فما أقول فى الثالثة؟ فقال النبى : ما كنا أن نجـمع عـليك أن نصرعـك ونغرمك خذ غـنمك .

ويذكر التاريخ أن الأمير جمال الدين أمير المدينة المنورة قد خرج على رأس جيش قوامه الأشـراف لمناصرة السلطان صلاح الدين الأيوبى فى حـربه ضد الصليبيين ؛ وخـروج الأمير بنفسه وشخصه عـلى رأس قيادة الجيش يدل عـلى براعـته وشجاعـته فى ساحات الوغـى والقتال ؛ فلما انتصر صلاح الدين أهـدى للأمير إقطاعـية بأرض مصر قبالة ساحل المدينة المنورة وهى المنطقة المعروفة الأن بمحافظة قنا ؛ وصار الأمير يأتى لهذه الأرض المنزرعة ليتنزه فيها عـبر البحر الأحمر ؛ ثم تولى الإمارة من بعـده إبنه الأمير مهنا ؛ وبعد وفاته وقعـت خلافات وخصومات رحل عـلى إثرها ولداه هاشم وجماز إلى أرض جـدهم بمصر عام 640هـ تقريبا ً ؛ وكان لجماز ثلاثة من الذكور هم " عـماره" و "نائل"و"نجد" ولهاشم ثلاثة من الذكور هم "بوير" و"كروان" و"دغـيم " واستقـر بهم المقام بهذه الأرض الخصبة ومع الشعـب المصرى الذى أحب آل البيت وأكرمهم وأعـزهم وناصرهم وما أظن أن الله ما حمى مصر من شرور كثيرة إلا كرامة لأهل البيت النبوى الشريف؛ والأمير مهنا هو جد قبيلة الأشراف فى مصر فهو والد هاشم وجماز وانحدرت أسرتنا من نسل" بدر" بن "نجد" بن"جماز" بن"الأمير مهنا " ويصل نسبه إلى سيد الشهداء الحسين بن عـلى رضى الله عنهما .

ونعود إلى فنون الفروسية فنجـد الرماية والمبارزة والطعـن والتحطيب من ألوانها التى أباحها الشرع ؛ وحض عـلى تعلمها ، ثم تطورت هذه الألوان لتصبح رمايه بالبندقية والمدفع والصواريخ والدبابات وقصفا ً بالطائرات؛ ولقد برع أجدادنا على مر العصور فى هـذه الفنون بدءا ً بفـن التحطيب وإنتهاء بقيادة الجـيوش ؛ ولقد ورد عـلى لسان أحد شباب العـرب أبيات شعـرية لها معان جميلة يقـول فيها :
أقـذف السـرج عـلـى المهــر وقـرطـه اللجامـا
ثم صب الـدرع فــى رأسـى وناولنى الحسـاما
فـمتـى أطلـب إن لــم أطـلب الــرزق غلامـــا
سـأجـوب الأرض أبغــيــه حــلالا لا حـرامــا
فلعــل الطـعـن ينفـى الفـقـر أو يدنـى الحـمامـا
وعـلى نهج رسول الله وجدنا أبناء بيت الزمر قد أحـبوا فنون الـفـروسية وبرعـوا فيها حتى أصبحوا مضرب الأمثال وقدوة الزمان ؛ يقـول شهود العيان أنه فى فـرح أحد أبناء شارع الحسنية وعـلى عادة أبناء الزمر فى المشاركة فى الأفراح والأتراح حضر "هانى الزمر " راكبا ً فرسـه الأصفـر المسمى "منصور" وهــذا المنصور كان فرسا ً عجيبا ً فهو يسمع الأمر لفظا وقولا فيستجيب له دونما لكزة أو إشارة !!
فعـندما يقـول له الفارس/ هانى : نم يامنصور تجـد منصور قـد سقـط عـلى أقـدامه ونام عـلى جانبه ثم يصعـد هانى ليقف مـن فوقه يلوح بالبندقية ويطلق منها أعــيرة نارية ثم يـقـول : قم يامنصور فنجـد منصور قـد نهـض بطريقة تجعـل هانى راكبا ً مـن فوقـه ! يحدث هـذاعـلى دقات الطبل البلدى والمـزمار والأهـالى يتصايحـون قائلين : أهـلـه.أهـلـه.

العمدة عبداللطيف عـبود كان له فرسا ً يهتم بها ويدربها حتى أنها كانت تقوى أن تسير على أقدامها الخلفية وتصفق بحوافرها الأمامية !! وهذه الحركة بالذات كانت من أغـرب الحركات التى شدت إنتباه المتسابقين فى معـرض الخيول حيث كانت هناك مجـموعة من أبناء بيت الزمر قد تعـودوا على المشاركة فى هـذا المعرض السنوى منهم الشيخ/ السيد حسن حسن أغا الزمر والشيخ/ أحمد حسين حسين أفندى الزمر وأحمد بيك محمد حمزه الزمر ؛ وأتذكر أول مشاهدة ولقاء مع أحمد بيك فى مطلع الستينات تقريبا ً حيث رأيته وقد أقبل راكبا ً فرسه البيضاء وبيده سوطا ً فلما إقترب من والدى لكز أرجل فرسه الأمامية فوجدت الفرس قد مدت أرجلها الأمامية إلى الأمام والخلفية إلى الخلف حتى إقتربت بطنها من الأرض فترجل أحمد بيك عنها بكل رشاقة ؛ ولفت نظرى وسامة هـذا الرجل فى ذلك الوقت رأيته بعد ذلك يحتفظ بفرسه ويهوى ركوب الخيل حتى وافته المنية ؛ ولأحمد بيك لقطة تذكارية فى سن الشباب وفيها يضع الطربوش الأحمر على رأسه ويلبس سترة مزركشة وعندما شاهدتها معلقة فى بيته ظننت أنها لأحد أمراء الأسرة المالكة
فلقد كان بحق أمير أسرة الزمر .
ومن ألوان الفـروسية لعبة التحطيب وهى فـن إستخدام العصا فى الدفاع عـن النفـس وكانت شائعة فى بلاد الريف عـموما ً ؛ وأراد عـبود الزمر أن يتعلم لعبة التحطيب وهو فى سن العاشرة من عـمره فأخذ يتردد على جده الحاج /عـبدالمجيد فى بعـض أيام الأجازة الصيفية ليتدرب عـلى هـذه اللعبة !! ومن أصول وقواعـد اللعبة أن يكون الدفاع كله عـن الرأس ؛ فلما إنكشف رأس عـبود ضربه جده ضربة خفيفة أوجعت عـبود فبكى منها وأنصرف ؛ وبعد أيام جاء الحاج/ عـبدالمجيدلزيارة إبنته أم عـبود بالمنزل وفجاءة رأينا عـبود يأتى مسرعا ً من إحدى جنبات البيت حاملا ً فى يده عـصا ً مندفعا ً بها إلى جـده ويصيح سأضربه كما ضربنى !! يقول عـبود :فلما هويت بالعصا ناحية جدى فوجئت به يختطف عـصا والدى ويصد بها ضربتى ونهـرنى والدى وأراد أن يضربنى فـتدخـل جـدى وأتاح لى فـرصة الفرار.
هناك قصة لطيفة وقعـت أحداثها فى عام 1952م تحديدا ً وكان سن عـبودالزمر وقتها خمس سنوات ؛ لقد عـوده عـمه الحاج/ عـبدالفتاح عـبود أن يلاعـبه بالعصا لعبة الحجل وفيها يقـف عـبود ممسكا ً بالعصا يلوح بها عـشر مرات عـلى الأرض بينما يقفز عــمه إلى أعـلى قـفـزات متتالية فإذا أبطأ أصابته العـصا فى قـدمه ؛ واللعبة هدفهاالتدريب عـلى خفة الحركة وسرعة القـفـز مع تنظيم الأنفاس ؛ ثم جاء الدور عـلى عـبود وأمسك عـمه بالعصا يلوح بها عـشرا ً وعـبود يـقـفـز لأعلا فأسرع عـمه أو أبطأعـبود فأصابته فى قدمه وأوجعته فـبكى ؛ وبعـد ساعة تسلل عـبود فضرب عـمه بحجـرفى قدمه فأصابه إصابة شديدة أخـذ يعانى منها لعدة سنوات .
عـبود الزمر له مواقـف تدل عـلى براعـته وفطنته عـندما كان يشغـل منصب مفتش أسلحة بالجيش المصرى منها أنه دخل يوما ً فى إحدى الوحـدات العسكريه للتفـتيش فاصطحـب عـددا ً من الضباط قيادة الوحـدة إلى تبة ضرب النار ثم رسم دائرة قطرها 30سم ووقـف عـلى بعـد عـشرة أمطار منها وأطلق ثلاثة أعـيرة من طبنجـته رسمت مثلثا ً سيقانه أوتارا ً للدائرة !! وتعـتبر هـذه الإصابة من أعـلى درجات التصويب بالطبنجة ؛ يقـول عـبود : إذا نجح القادة فى إخـتبار التصويب فلاشك من نجاح الجـنود وفاقـد الشيئ لا يعـطيه ويقـول : دخلت يوما ً فى تحدى مع زملائى الضباط فـوضعـت لوحا ً من الخشب أفـقيا ً ثم ثبت من فوقه عـشرة كعوب لأظرف طلقات فارغة متراصة ومتجاورة ثم وقـفت عـلى بعـدخـمسة عـشرة مترا ً وأمسكت بالبندقية فى وضع الإرتكاز عـلى الركبتين وأطلقـت عـشرة أعـيرة نارية فى عـشر ثوان فسقـطت جـميع الكعوب بعـد إصابتها وبالترتيب !! ويقـول : نحـن ضباط المخابرات مدربون عـلى إصابةالهدف من أول طلقة وحياتنا معلقة بها فإن أصابت الهدف نجوت وإلا فالموت المحقـق .
عـبود الزمر له دور مشرف فى إعادة تشكيل سلاح المشاه ومشاركة فاعلة فى حرب الإستنزاف كما شارك فى حرب أكتوبر1973م ضمن إحدى الفرق المدرعة وبالتحديد فى معـركة التطوير المعـروفة إعلاميا ً بمعـركة الدبابات الكبرى وكان وقتها برتبة نقـيب ؛ فلما وقعـت أحداث الثغـرة صدرت الأوامرإلى وحـدته بالعـبور غـربا ً للمشاركة فى حصار الثغـرة فكان من ضمن أول وحـدة إستطلاع تقـدمت لهذا الحصار ؛ وفى مناورات الجيش عام1977م حصل عـبود عـلى المركز الأول ودرع القوات المسلحة وحصل عـلى شهادة شكر وتقـدير من إدارة المخابرات العسكرية بتوقيع اللواء / محمد حسين فهمى شوكت مدير المخابرات .

فى مطلع الستينات بينما كنت أمشى فى شوارع مدينة الجـيزة وتحـديدا ً بشارع الصناديلى سمعـت أصوات طلقات نارية ثم رأيت الناس تجـرى فى الشارع يلتمسون السلامة فجـريت معهم وسمعـت أحـدهـم يقـول : إنه سعـيد الزمر مفـتش التموين دخـل لضبط أحـد الجـزارين المخالفين لقـواعـد التسعـيرة المعـمول بها فقام صبى الجزار بطعـن أحـد المخبرين بالسكين وفـرهاربا ً يجـرى فى الشارع فأسرع المفتش من خلفه وأطلق عـليه النار فأصابه فى قـدميه .
حقيقة لقد كان المفتش سعـيد الزمر يعرف واجبات وظيفته تماما ً ويعى المسئولية الملقاة عـلى عاتق جهاز التموين عـلى وجه الخصوص وفى تلك الفترة فسمعت أنه رفض رشاوى بمبالغ كبيرة وأرشد عـن المخالفين وعاقبهم ؛ وسمعـت أنه دخل يوما ً للتفتيش عـلى الفرن الوحـيد بقريتنا ناهيا فوجـد الوزن مخالف فأمر بتقطيع الأرغـفة وأغـلق الفرن !وهذا ليس بالشيئ العجـيب إنما مثار العجـب أن هذا الفرن كان ملكا ً لإبن عـمه ومع هـذا لم تمنعه القرابة من أداء واجبه على الوجه الصحيح .
وفى العـصر الحـديث قدمت أسرة الزمر خـيرة أبنائها للإنخـراط فى الجـيش والمشاركة فى أعـمال الفروسية والبطولة بدءا ً بالشريف أحـمد يوسف الزمر حـيث خـرج لمناصرة ثورة محـمد بيك أبوالدهب ضد عـلى بيك الكبير فى 1773م لتبقى مصر فى ظل دولة الخلافة وسط تأييد شعبى كبير .
ولأسرة الزمر مشاركة مهمة فى الحـفاظ عـلى حـياة محـمدعـلى باشا وتدعـيم أركان حكمه ؛ فقـدمت الضابط/ حسن بيك أحـمد يوسف الزمر ليقـود الجـيش السلطانى الخاص بحـراسة وحـماية محـمد عـلى فى تحركاته وسكناته داخل القـطر المصرى خاصة بعـد مذبحة القلعة فى1811م الأمر الذى جعـل محمد عـلى ينطلق بكل حماس لتأسيس دولة مصر الحديثة وتحـقيق الحـلم والمطلب الشعـبى ومن هنا كان لبيت الزمر يد بيضاء فى بناء مصر فى العـصر الحديث .
عـندما ضج الشعب من ظلم وقـسوة الخديوى توفـيق واشتعلت الثورة العـرابية وكعهد أسرتنا الزمر الوقوف مع الإرادة الشعـبية شاركت بضابطين من أبنائها فى هـذه الثورة الرائدة عـلى مستوى العالم العـربى وهما أميرآلاى/ محمد بيك عـمر الزمر نائبا ً للزعـيم عـرابى واليوزباشى /أحـمد أفندى عامر الزمر ؛ خـرج الضابطين من بيت الزمر لمساندة الثورة ضد الأنجليز وضد السراى وضد السادة – وهما من السادة – من أجل الشعب بما يعتبر شيئا ً نادرا ً فى ذلك الزمان !! ولا غـرابة فى ذلك لأن بيت الزمر كعهـده دائما ً يقـف مع الإرادة الشعـبية والمطلب الشعبى .

بعد هذه المواقـف والكلمات والسطور ربما يقـول القارئ الكريم ما دخل ذكرى الشهيد أحمد عـبود بكل هـذه الأحداث التى أسهبت فـى سردها ؟ وأقول لك حفظك الله ياأخى الفطن؛ لقد أردت بهـذا السرد والإسهاب أن أوضح لك بعضا ًمن صفة وأحداث ومبادئ بيت الزمر والتى بها إستحـق وصفه بأحسن البيوت وإستحق أن يكون مضربا ً للأمثال بين الناس والعائلات ؛ وفى هـذا البيت وفى هذا الطهـر والنقاء تربى الشهيد/أحمد عـبود الزمر فسطـر بدمه أروع ملحـمة فى الفـداء والشجاعة والفروسية والشهادة أعـلى الدرجات وثوابها فى أعلا الجنات .
ونقلا عـن موقع الفرسان جاء عـلى شاشته ما نصه "ولد اللواء أحمد عـبود الزمر فى شهر أكتوبر من عام 1928م ونال الشهادة فى 19/10/1973 الموافق يوم الجـمعة 27 من شهر رمضان المبارك وعـن عـمر يناهز خـمسة وأربعـون سنة وكأنه عـلى موعـد مع القـدر؛ فى هـذا الشهر كان مولده وفيه كان إستشهاده .
يعد البطل أحـمد عـبود الزمر من نجوم العسكرية المصرية عـلى أمتداد سبعة عـشرة سنة خاض خلالها كل الحروب منذ شارك فى صد العدوان الثلاثى عام 1956م وشارك فى حـرب تحـرير اليمن من الملكية عام 1964م وأشترك فى حرب يونيو 1967 م ونجح فى أن يكبد العدو خسائر جسيمة فى الأرواح والمعدات بمعركة رأس العش فى 1/7/1967م .

فى رأس العش كان موقع الشهيد البطل وسريته المكونة من ثلاثين مقاتلا , وبدأت المعركة الشرسة لصد محاولة قوات العدو الإسرائيلى المدرعة إحكام السيطرة على الضفة الشرقيه للقنال من خلال القضاء على السرية الموجودة برأس العش , وعلى الفور أصدر البطل أوامره للرجال للتصدى لمدرعات العـدو ومنعها مهما كان الثمن , وينطلق الرجال فى بسالة نادرة رغـم عـدم التكافؤ الواضح بين عـدو يزهـو بقوته ونصره الزائف وبين رجال لا يمتلكون إلا أسلحة خفيفة وصدور ممتلئة بالإيمان وما هى إلا ساعات قليلة حتى أرتدت قوات العـدو الإسرائيلى مزعـورة بعد أن تكبدت خسائر هائلة وقرر العـدو الأنتقام من هذا الموقع وتدميره ليكون بمثابة إنذار أخير للقوات المصرية التى تحاول التصدى لقواته المدرعة , ومع فجر يوم 2/7/1967م تقـدمت المدرعات الاسرائيلية مدعـومة بنيران المدفعـية والطيران إلا أن رجال السرية المصرية بقيادة البطل أحمد عـبود لم ينهاروا وتواثبوا فى خفة النمور وجرأة الأسود بين قذائف المدفعية وهدير الدبابات ليحولوا المنطقة إلى كتلة مشتعلة من الحديد والنار وتتعاظم خسائر العـدو وتبوء كل محاولاته للسيطرة عـلى هـذا الموقع بالفشل , فينسحب شرقا بعيدا عـن رأس العش بعد أن تلقى درسا قاسيا فى فنون القتال الحقيقى عـلى أيدى أبناء مصر الأوفياء ".

وفى موقع الفرسان أيضا جاء مانصه" فى النصف الثانى من شهر أكتوبر 1973 م صدرت الأوامر للبطل بتنفيذ مجـموعة من الضربات والهجمات المضادة ضد قوات العدو فى ثغـرة الإخـتراق بالدفرسوار وعـلى الرغـم من التفوق الصارخ لقوات العـدو مقارنة بالقوات المصرية إلا أن رجال مصر الأبطال نجحـوا فى ايقاف تقدم العـدو ومحاصرته تماما ولمدة تزيد عن 36 ساعة متصلة إستمر الموقع والقوات المصرية بقيادة البطل صامدا ً ولكن هـذا الصمود لن يستمر فالفرقة التى يقودها لن تتحمل أكثر ولأن مصلحة الوطن أغـلى من أى إعـتبار فقد أراد أحمد عـبود أن يناور بقواته ليضعها فى موقع أفضل فأمر بتكوين مجموعات سيطرة تنسحب لموقع خلفى وتركز الدفاعات عـليه بدلا ً مما ستتعـرض له تلك القوات مع الهجوم الكبير المتوقع من قوات العـدو, وهكذا أشرف البطل بنفسه عـلى الخـروج فـى مجموعات أثناء الليل شارحا ًللقادة أسلوب السير وكيفية تركيز الدفاعات فى الموقع الجديد , وظل البطل مع من تبقى من قواته للعمل كموقع تعـطيلى لإيقاف العـدو حتى تستكمل الدفاعات فى الموقع الخلفى ضاربا أروع الأمثلة فى المساواة بين القائد ورجاله رابطا ً مصيره بمصير الجـنود رافضا ً أن يعيش هـو ويموت أحد رجاله الذين أبقاهم فى الموقع التعـطيلى , وظل يقاتل بسلاحـه الشخصى ويواجه نيران العـدو مع رجاله الشجعان أكثر من 4 ساعات فى معـركة غـير متكافئة حتى نجحت سرية دبابات معادية فى الوصول إلى مركز قيادة البطل وأطلقـت القذائف ليصاب البطل وبعـض من رجاله فيلقى ربه شهيدا ً ضاربا ً المثل فى التضحية نحو الوطن الغالى " إنتهى النص .

ومن كتاب المعارك الحربية عـلى الجبهة المصرية للمؤرخ العسكرى جمال حماد وفى صفحة 489 ورد ما نصه " فى الساعة التاسعة صباح يوم الجمعة 19/10/1973م الموافق 27 من شهر رمضان المبارك قام العدو بمهاجمة منطقة مرابض اللواء مدفعـية التابع للفرقة 23 مشاه ميكانيكى الذى كان يقع غـرب الموقع الدفاعى ببضعة كيلو مترات بقـوة حوالى كتيبة دبابات مدعـمة بالمشاه الميكانيكية وأشتبكت وحـدات المدفعية مع الدبابات الأسرائيلية وجها لوجه فى معـركة عـنيفة استغرقت ثلاث ساعات استخدمت فيها المدفعية أسلوب الرمى المباشر ضد دبابات العـدو , ورغم ما تكبده العـدو من خسائر جسيمة فقـد أنتهت المعركة بتدمير لواء المدفعية المصرى بعـد قتال شرس , وإيذاء قيام قوة كبيرة من دبابات العـدو بالألتفاف عـلى الجنب الأيسر للموقع الدفاعى الرئيسى أرتدت بعض قوات هـذا الموقع إلى منطقة تقاطع عثمان احمد عثمان وقد بعث قائد الفرقة العميد أح /أحمد الزمر بآخـر رسالة لا سلكية الى الفريق سعـد الشاذلى الذى كان موجودا وقتها فى مركز قيادة الجيش الثانى بالاسماعـيلية فى الساعة الواحدة ظهرا, وكانت رسالة موجزة ذكر له فيها أن العدو يهاجم موقع السرية اليسار من الكتيبة وأنه متجه الى مركز قيادته وعـلى أثر ذلك مباشرة انقطعـت جـميع الإتصالات بين قائد الفرقة وقيادة الجيش الثانى واعتبر قائد الفرقة منذ ذلك الوقت فى عـداد المفقودين , وقد اتضح بعـد ذلك أن العميد ا ح/ أحمد عـبود الزمر قائد الفرقة 23 ظل صامدا فى مركز قيادته المتقـدمة فى شجاعة وثبات حتى النهاية ولم يفكر فى مغادرة موقعه للنجاة بحياته رغـم أن الموقف كان ميئوسا ًمنه , وعـندما اقتحمت الدبابات الإسرائيلية مركز قيادته خـر شهيداً تحـت جنازيرها فضرب بذلك أروع الأمثال فى البطولة والإيمان والفداء ." إنتهى النص

بعد وقف إطلاق النار وفض الإشتباك بين القوات أمكن العثور على جثمان الشهيد فى خندق وقد ماتت يداه على السلاح فاستحق أن تصفه الصحافة بأنه بطل الإستبسال حتى أخر طلقة ؛ وتم دفن الجثمان بمدفن الأسرة بشارع الطحاويه بحوش والده محمد بيك وسط جنازة عـسكرية وعـندما عـزفت الفرقة سلام الشهيد أخرج العقيد/ إبراهيم سعـيد الزمر مسدسه وأطلق الأعـيرة النارية تحـية للشهيد .
وفى جامع عمر مكرم بميدان التحرير كان فرش العـزاء فلما جاء وفد من الجيش للعزاء وجدت عـمى العميد بحرى/ حسين عـبود الزمر يتصدى لهم بكل حماس ويقـول بصوت عال :- كل ما يهمنا أن يكون اللواء أحمد الزمر قـد أدى دوره بصدق وأمانة وشجاعة ؟؟ فأجابه الضباط فى تأثر شديد بكلمات مفادها أنه قائد وبطل وشهيد ضحى بنفسه وروحه ليفتدى قواته وزملائه .

فى عام 1987م تقريبا ً التقيت بالأستاذ/ على زيتون من أفراد الشرطة العسكرية المكلفة بحراسة الشهيد احمد عبود وسمعته يقول :- لقد تم إستدعاء سيادة العميد وتنصيبه بقيادة الفرقة بعد أن كان مديرا ً لعمليات المنطقة المركزية وعلى الفور تم دفع الفرقة إلى الثغرة ؛ وكان سيادة العميد فى منتهى الحكمة والثبات والشجاعة فى مواجهة خدعة العدو التى لم تكن تخطر ببال أحد ! لقد فوجئنا بقوات مصرية تتجه صوب مواقعنا فأوقفنا الضرب حتى اقتربت هذه القوات وأخذت مواقعها ثم قامت بضربنا فوقع فزع شديد بين العسكر وتبين بعد ذلك أنها قوات للعدو ركبت دبابات ومدرعات مصريه استولوا عليها من حرب 1967م !!
فلما تبين لسيادة العميد أن الموقف يتطلب المناورة بسحب الفرقة من مواقعها أصدر الأمر ووقف بنفسه ليطمئن على إخلاء المواقع وسلامة الجنود ؛ فلما اشتد القصف قلت له إركب ياسيادة العميد مع العائدين للخلف فرفض وركبت أنا وظل هو مع جنود المؤخرة لحماية إنسحاب الفرقة وهناك إنتظرنا عودة سيادة العميد ..........
إنقطع كلام الأستاذ على وانحبست الدموع فى عينيه وقال : بطل لا مثيل له .

وللشهيد أحمد عبود الزمر لقطة تاريخية وهو فى سن ثلاث سنوات وفيها يقف مرتديا ً الشورت الأبيض ويمسك البندقية وقد بدت فوهة البندقية تقترب من رأسه وانتهت حياته بلقطة تاريخية أيضا ً حيث تم العثور على جثمانه وهو يجلس القرفصاء فى الخندق وقد ماتت يداه على السلاح ؛ واحتفظت أنا باللقطة الأولى
واحتفظ التاريخ باللقطة الثانية .

وعند زيارتى للمتحف الحربى بالقلعة وجدت صورة الشهيد معلقة ضمن الشهداء الذين نالوا الشهادة وحازوا وسام نحمة سيناء ؛ ويؤكد المؤرخ العسكرى جمال حماد فى تحقيقاته العسكرية أن القائد الأسرائيلى عندما إقتحم الموقع المصرى بعد استشهاد كل من فيه وقف يؤدى التحية العسكرية لجثمان الشهيد أحمد عبود وفى احتفال رائع بذكرى أغلى أيام مصر كرم الرئيس محمد حسنى مبارك نخبة من القادة والضباط والجنود وأسماء الشهداء الذين أدوا دورا ً بارزا ً فى تحقيق نصر أكتوبر العظيم ومنهم الشهيد اللواء / احمد محمد عبود الزمر قائد الفرقة ثلاثة وعشرون مشاه ميكانيكى وقام السيد رئيس الجمهورية بتسليم ميدالية مقاتلى أكتوبر للسيدة حرم الشهيد فى حفل مهيب حضره جميع المسئولين بالدوله فى يوم الإثنين 5/10/1998م ؛ وهكذا شاركت أسرة الزمر فى كل ألوان الفروسية والإستشهاد هو أعلا درجات الفروسية ورحم الله الشهيد وأسكنه فسيح جناته .&&

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق