السبت، 8 أغسطس 2009

الأســتـاذ / عـبـدالـمـنـعـم مـحـمـد عــمـر

الأستاذ/ عبد المنعم محمد عمر
رجل مسئول وعملاق فى فكره وتصرفاته ؛ إنه ابن عمة والدى وحفيد محمد بيك عبود الزمر من إبنته زنوبه ؛ هذا العم كان من الشخصيات القريبة لوالدى ونكن له كل الأحترام والمهابة لكثرة ماسمعنا عنه من مواقف جادة وعقل راجح .
فى عام 1968م كان الأستاذ/ عبد المنعم يشغل وظيفة وكيل وزارة الثقافة والإرشاد لشئون المكتبات مع الوزير/ عبدالقادر حاتم وفى تلك السنة سمعته يروى لوالدى موقفا ً مسئولا ً من مواقفه المتميزة وكان مضمونه أن السيد الوزير قد إجتمع بالسادة الوكلاء ليستشيرهم فى مسألة ترقية أحد العاملين بالوزارة لمنصب رفيع وكان هذا الموظف على قرابة من السيد الوزير لذا فقد رحب جميع السادة الوكلاء بترقية هذا الرجل مجاملة للسيد الوزير إلا الأستاذ/ عبدالمنعم عمر فقد قال بالعربية والإنجليزية He is good in nothingهذا الرجل تافه ولايجيد شيئ !!! ونزل السيد الوزير على رأى الأستاذ الوكيل وأوقف ترقية هذا الرجل وشكر للأستاذ عبد المنعم صدقه و شجاعته .
وكان من عادته يرحمه الله أنه إذا جاء لزيارتنا واستقر به المقام مع والدى بحجرة الضيوف كان من عادته أن ينادى علينا نحن الأبناء الأربعة لنسلم عليه ؛ وفى إحدى زياراته لنا جلس مع والدى يتجاذبا أطراف الحديث وجلست أنا على كرسى مجاور لهما ، وكانت فى يدى صحيفة الأهرام أتصفح منهاالعناوين الرئيسية ثم طويتها ووضعتها على المنضدة أمام والدى ثم كانت المفاجأة التى فجرت فى نفسى الحماس للقراءة !! لقدفوجئت بعمى عبدالمنعم يتوجه إلى بالسؤال : ماذا قرأت فى الصحيفة ؟ وتلعثمت الكلمات على شفتى من المفاجأة ثم من هيبة هذا الرجل !! وأسعفتنى الذاكرة
ببعض العناوين التى كنت قد نظرت إليها توا ً فقلت له على وجل قرأت كذا وكذا أسرد له عناوينا ً ! واطمأننت قليلا ً وحسبت أن الأمر قد انتهى لكنى فوجئت بهذا العملاق يسألنى وماذا تعرف عن كذا ؟سمى لى عنوانا ً مما سردته عليه وتملكنى الخجل ولم أنطق ببنت شفة لأنى لم أكن قرأت ما تحت العناوين فقال لى معلما ً :-
مادمت لم تستفد بمعلومة فأنت لم تقرأ .
وإذا لم تكن هذه المواقف التربوية من مثل هذا الرجل المسئول عن الثقافة فى ذلك الوقت فمن من تكون ؟ وكان هذا الموقف عام 1965 م تقريبا ً وكنت أنا فى سن الرابعة عشرة وكان هو مديرا ً عاما ً لدار الكتب المصرية ؛ وتعلمت من يومها أن أكتب المذكرات بالمعلومات التى أعجب لها وعن المواقف والأحاديث التى أتأثر بها فكانت هذه السطور وتلك المقالات فى هذه المدونة من نتاج هذا الموقف الدرس .
هناك موقف خطير ومؤثر كاد يعصف بمستقبلى ويغير مسار حياتى كلها وقعت أحداثه فى عام1969م وكان عمى الأستاذ/ عبد المنعم طرفا ً فاعلا ً فيه !! أذكره ليستبين لكم كم كنت أتمسك بعفة اللسان مع الشجاعة الأدبية فى مواجهة أى شخصية ؛ لقد وقعت بعض المخالفات من زملائى بالفصل وكانت عقوبتنا جماعية فجلس الأستاذ/ حبيب وتوقف عن شرح درس مادة الأحياء نكاية بنا !!
وجلسنا جميعا فى صمت ثم تذكرت شيئا ً فالتفت إلى زميلى أكلمه همسا ً فرآنى الأستاذوطردنى خارج الفصل ؛ ثم عدت لمتابعة حصة العربى التالية ؛ وفجأة دخل علينا الأستاذ/ احمدالشامى ناظر المدرسة فى ذلك الوقت فأشارإلينا الأستاذ/ محمود زغلول وقال : قيام فأقلعنا وقوفا ًتحية للناظر ثم هبطنا قعودا ً وكان هذا عرفا ً متبعا ً فى المدارس لتحية الزائرين ، ثم تكلم الأستاذ الناظر عن الأدب واحترام المعلم فلما شعرت أنه يتوجه لى بكلامه وقفت من حيث أقعد فى وسط الصف الأوسط ثم أردت أن أوضح الموقف فسبنى بقوله اسمع يا كذا يابن كذا !! وأنا الذى لم يسب أحدا ً ولم يسبه أحد وكيف أشتم وأسب وأنا لم أسمع أبى يسب أويشتم على الإطلاق فكنت شبيها ًلأبى فى هذه الخصلة الحميدة فكرهت سماع كلمات السوء وكان كرهى لقولها أشد لذا كانت صدمتى شديدة !!

فقعدت من حيث أقف فقال لى : قف ياولد فقلت : آه آسف لن أقف إلا إذا كلمتنى بألفاظ مهذبة !! زملائى يعلمون تماما ً مدى إعتزازى بالخصال الحميدة من عفة لسان وصدق فى القول حتى أنهم كانوا يستشهدون بى عند وقوع الأزمات فيرضون قولى ويقبلون حكمى لذا كانت صدمتهم من أجلى شديدة فوقفوا وتصايحوا من حولى وتدخل الأستاذ/ محمود وقال : قف ياأحمد وأعتذر للناظر فوقفت وقلت له : عفوا ً لن أعتذر له فهو الذى سبنى !! فصرخ الناظر وقال : أخرج ياولد أنت مفصول !! وعدت إلى والدى وسردت له الأحداث فسمعها ولم يعقب .
وتغيبت عن المدرسة يومين أوثلاثة كان أبى فى خلالها قد اتصل بعمىعبد المنعم وكان يشغل منصب وكيل وزارة الثقافة ، وفى يوم موعود ومشهود ذهب ثلاثتنا إلى المدرسة فى موعد إنتظام طابور
الصباح ودخل والدى وعمى عبد المنعم إلى حجرة الناظر فكان بينهم كلام وتعارف ثم أستدعانى الأستاذ الناظر علىعجل قبل بداية الحصة الأولى فذهبت اليهم مسرعا ً واتذكر ماقاله عمى عبدالمنعم فى رده على الأستاذ أحمد فقال : إن مفاهيم ألأجيال تغيرت وأن لكل مرحلة أسلوبها فى التربية ثم أن الحب هو الذى دفع الحسن والحسين أن يحملا نعل شيخهما عند دخوله المسجد وعند الخروج .
ثم قال لى : إن لم تنتظم فى المدرسة وبدون مشاكل فلا تضيع وقتنا واذهب لتزرع فى أرضك بالبلد !! وانتظمت من يومها فى الدراسة بفضل الله وتوفيقه .
ولعمى الأستاذ / عبدالمنعم مواقف جادة ومضحكة فى ذات الوقت أذكر منها موقفين يتعلقا بعادة حسنة التزم بها الأستاذ عند حضوره فى أى مجلس وهى حرصه بأن يتعارف على الناس ويعرفهم بنفسه
وهذا التعارف من شأنه أن يؤلف بين القلوب ونحن إذنتمنى أن نرى كل الحضور بالمجالس فى مثل وعى وثقافة هذا العملاق .

أما عن الموقف الأول فلقد سمعته من الأستاذ يحكيه لوالدى فى عام1964م فعلمت أنه كان مدعو ضمن مجموعة لحضور حفل تكريم للرئيس الحبيب يورقيبة فلما دخلت المجموعة لتصاقح السيد الرئيس وجاء الدور على الأستاذ وقف ممسكا ً بيد الرئيس بورقيبة وقال له : أنا عبدالمنعم محمد عمر مديرعام دار الكتب المصرية !
وبعد أيام جاءوا لوداعه فلما وضع بورقيبة يده فى يد الأستاذ قال بورقيبة علىالفور : أنت الأستاذ عبد المنعم محمد عمر مدير عام دار الكتب المصرية فضحك الأستاذ وضحك الرئيس . والموقف الثانى حضرته بنفسى عام 1970م فلا أحد أفراحنا بالحيزة وكنت قد جلست مع الأستاذ ومعه والدى وأخرين ؛ وكان من ضمن الحضور رجل اسمه حماده فلما تعرف به قال له بكل جدية : عيب عليك تبقى رجل كبير وأسمك حماده !! فضحك الرجل وضحك الحاضرون بكل وقار أما أنا فأسرعت بالخروج لأضحك على راحتى .
فى يوم كتب كتاب شقيقتى سعاد الموافق 25/4/1973م على المهندس/ جلال هاشم تم التقاط صورة يبدو فيها الأستاذ عبدالمنعم محمد عمر وعن يمينه خال العريس الشيخ عباس حلمى مدير الأوقاف بالمنصورة ؛ ولهذه الصورة موقف تاريخى مؤثر وقبل التقاطها بثوان ؛ نحب أن نذكرها وبكل فخر !! فبعد أن وقع جدى أحمد الزمر مدير عمليات المنطقة العسكرية المركزية يصفته وكيلا عن العروس تقدم الشيخ المأذون فأعطى الوثيقة للشيخ عباس ليوقع عليها بصفته شاهد فناولها الشيخ للأستاذ عبدالمنعم ليوقع عليها أولا كنوع من الأحترا والتوقير ؛ وفجأة رأينا الأستاذ عبد المنعم يمسك بالوثيقة ويقف ويقول : تسمح ياشيخ عباس تعالى معاى !! وأسرعنا نحن الشباب فأفسحنا الطريق للأستاذ والشيخ حتى دخلا إلى كوشة العروسة !! ونترك أختى سعاد لتروى لنا ما كان بالضبط فتقول :
سألنى عمى عبدالمنعم وقال : هل تقبلين جلال هاشم زوجا ً لك ؟
فأومأت برأسى فقال : قولى نعم أو لا فقلت : نعم فقال : وقعى هنا .
وهذا موقف تاريخى يحسب للأستاذ عبدالمنعم ؛ فكم من شهود ووكلاء وقعوا على هذه الوثائق والعقود دون تحرى الرجوع إلى سماع قبول الزوجة لكن هى المواقف المتميزة التى تعودنا عليها من الأستاذ العملاق يرحمه الله .
الأستاذ / عبد المنعم محمد عمر هو واحدمن مؤسسى قسم المكتبات بكلية الآدآب جامعة القاهرة فى عام 1960م وظل يدرس به لمدة عشرين عاما ً حتى أمكن استكمال هيئة التدريس بالشعبة
من خريجى القسم .

وبمناسبة الإحتفال بالمؤتمر العالمى الرابع للسيرة والسنة النبوية الشريفة فى رحاب الأزهر الشريف فى الأول من شهر نوفمبر 1985م ويشارك فيه عدد كبير من علماء المسلمين المتخصصين فى التاريخ الإسلامى ولاسيما السيرة النبوية والسنة ؛ ومن هذا المنطلق فقد تشكلت لجنة عليا برئاسة فضيلة الإمام الشيخ/ جاد الحق على جادالحق شيخ الأزهر الشريف للإعداد لهذا الإحتفال وتم الإتفاق على طبع عدة مطبوعات تقدم هدايا للمدعوين فى هذه المناسبة الكريمة وكان من ضمن هذه المطبوعات القيمة كتاب " الرسالة الكاملية فى السيرة النبوية لإبن النفيس" تحقيق وشرح وتعليق الأستاذ/ عبدالمنعم محمد عمر رئيس لجنة إحياء التراثالإسلامى ؛ وقد تفضل عمى الأستاذ فأهدانى نسخة من هذه الرسالةالكاملية وكتب عليها بخط يده :
بسم الله الرحمن الرحيم هدية لولدنا أحمد راجيا ً من الله التوفيق ،،
ترك الأستاذ من المؤلفات خمس بين تأليف وتحقيق وشرح وتعليق وهى
1 - المدخل للدراسات العربية تأليف وتم نشره فى 1967م .
2- الرسالة الكاملية فى السيرة تحقيق وشرح فى 1985م .
3- خديجة أم المؤمنين تأليف وتم نشره فى 1987م.
4- محمد المصطفى تأليف وتم نشره فى 1990م .
5- إرشاد القاصد لأبن الأكفانى تحقيق وتعليق فى 1990م .
فى عام 1990م ذهب الأستاذ /عبد المنعم إلى العراق ضمن وفد المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ؛ فلما تقابل الوفد مع الرئيس العراقى / صدام حسين وقف الوزير /محمد على محجوب يردد كلمات الثناء والتقدير على مسامع الرئيس ؛ فلما رفع الأستاذ عبد المنعم يده يطلب الكلمة حاول السيد الوزير محجوب أن يرده عن طلبه لأنه يعلم صدقه وصراحته ؛ ولكن إحتكم الأمر ووقف الأستاذ/عبد المنعم بكل شجاعة وثبات وصدق فعرف بنفسه رئيسا ً للجنة إحياء التراث ووكيلا ًلوزارة الثقافة ومديرا ً عاما ً لدار الكتب المصرية ؛ ثم أخذ يطالب بحل عادل لمشكلة الأكراد الملتهبة فى ذلك الوقت خاصة وأنهم من أحفاد صلاح الدين الأيوبى ولهم دور إيجابى فى بناء الأمة الإسلامية وتحقيق الإنتصار الكبير على الغزوة الصليبية ؛ وعندما عقب الرئيس /صدام على الكلمات شكر الأستاذ عبدالمنعم ووعد بالنظر فى مطالبه وآرآئه ؛ وعند العودة وفى المطار كانت المفاجأة !! لقد جرت عادة العراقيين على إعطاء هدايا قيمة لأعضاء الوفود المسافرة فكانت لكل مسافر بالوفد هدية إلا الأستاذ عبد المنعم لم تكن له هدية !!!
وهذه طبعا ً ضريبة الشجاعة وحسن الرأى .
لكل هذا فقد رأيت أنه من الحق والعدل والإنصاف أن أسجل اسم عمى الأستاذ/ عبد المنعم محمد عمر لمكانته العلمية والأدبية والإجتماعية ولما أداه من خدمات جليلة لمصر وللعالمين العربى والإسلامى وأيضا ً لإنتمائه لأسرتنا الزمرولبلدنا ناهيا والحمد لله على هذا الفضل وذلك التشريف .&

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق