الخميس، 28 مايو 2009

الـعــمــدة / عبداللطيف عبود الزمر

العـمـدة / عـبـد اللطـيف عـبـود الزمر

كـفـلـه جـده مـحمـد بك عــبود بعـد أن فـقـد والده فـى سـن مـبكـرة , فـنشأ وقــد تربى عـلى الـنزاهــة والأمانة والـصدق وعـفة اللسان , فـلما أشـتد عـوده أصبح رفـيقا ً وصديقاً لجـده يأتمنه عـلى سره كما سـبق وأن ائتمنه عـلى أرضه فأعـطاها له يزرعـها ويديرها وينميها فكان خـير رفـيق وخير أمين .
ولكريم خصاله ومـتانة أخلاقه وحسن سيرته بين الناس ائتمنه المحـيطون به والمقـربون منه عـلى أموالهم وأسرارهـم , فـها هـو خاله الحاج/عـبدالمجـيد الصياح وزوجة خـاله السيدة/ فاطمة حسانين الزمر وخالته الحاجة/ زكية محمد الصياح الزمر وعـمه اللواء الشهيد /أحمد الزمر وعـمته السيدة/ نبيهة محمد عـبود وجدته الحاجة/ زينب عـبود الزمر كل هؤلاء قـد أولوه ثقـتهم وأعـطوه أملاكهم ليديرها لهم , ثم هاهى جـدته الحاجة/ زينب تضع كامل ثقـتها فـيه فـتقـر فـى وصيتها أنها أوقـفـت نصف أملاكها وأن عبداللطيف عـبود وصياً عـلى الوقـف وله ثلث الريع ولذريته من بعـده وينصرف الباقى للفـقـراء وطلبة العلم فكانت أول أمرأة مـن أسرتنا بناهـيا توقـف أملاكها لوجه الله تعالى يرحـمها الله وأسـكـنها فـسـيح جـناته .

ونعـود إلى ذلك الحـب الـذى ناله عـبداللطيف عـبود مـن المـقـربين له , فـنجـد مـن دلائل حـب محمـد بك لحـفـيده عـبد اللطيف أنه أهـداه ساعة فـضية بمينائين وثلاثة عـقارب من الذهـب ماركة زينت صناعة 1900م , ومن دلائل حـب عـبدالمجـيد الصياح لأبن أخـته عـبداللطيف أنه أهـداه عـصا مـن الأبـنـوس الأصفر آلت إليه مـن والده محمد الصياح وهىعـصا تتكون من ستة قـطع يمكن فكها وتركيبها ولها يد مـطعـمة بالفـضة وعـمرها الآن أكـثر مـن قـرن , ومـن دلائل حـب جـدته الحاجة / زينب أنها أهـدته أبريقا وأكوابا مـن النحاس آلت إليها مـن والدها العـمدة /عـبود الزمر .

والأبارق عـمـوما تصنع مـن الـمعـدن خاصة البرونزأوالفــضة والنحـاس وتستعـمل فـى الشراب وغـسل الأيدى , وكانت لها أهـمية خاصة عـند المسلمين لأرتباطها بالوضوء والصلاة؛ وأبريق العـمدة عـمره حوالى130 سنة ومصنوع من النحاس الأبيض وأرتفاعة حوالى 30سم ويتكون من البدن وهـو جـسـم منتفخ ومـتكور يرتكز من أسفـله عـلى قاعـدةتناسب حجمه ويخرج من أعلاه رقـبة أسطوانية الشكل تنتهى بفـوهة متسعة قـليلا وبها شرشرة متناسقة يعلوها غـطاء هـرمى الشكل مفـرغ وفى قـمته حلية مـن النحاس , والأبريق لـه مـقـبض يلتصق طرفاه بوسط الـبدن المـنتفـخ ونهاية الرقـبة الأسطوانية , والغطاء مرتبط بهذا المقـبض من أعلاه بمحور أرتكاز يجعـله يتحرك ولا يسقـط من عـلى الـفـوهة , ويخـرج مـن البدن فى الجـهة المقابلة للمـقـبض صنبور عـلى شكل متناسق مع بدن الأبريق , وتكسو الأبريق بعـض الخـطوط والرسوم زالت معـظمها بفعـل القـدم وتبقى منها بعـض الخطوط فى أعـلى الرقـبة , وزخـرفة المـقـبض جـمعـت بين البارز والغائر , أما الأكواب فـهى مـن النحـاس ولـها أغـطية مـن النحـاس كأنها قـباب المسـاجـد عــليها زخـرفة وخـطوط مـلونة وكلـمات تبدو فـارسـية والأبريق لـه خـاصية تميزه فـعـند مـلئه بالماء تسـمع له دويا وقـرقـعة عـندما يصل الـماء إلـى منتصف العـنق وخـاصية أخـرى هى أن المياه لا تسقـط من الفـوهـة حـتى لو كان وضع الأبريق أفـقـيا بل تسقـط من الصنبور وهـذا يدل عـلى مهارة الصانع, وكان والدى رحمه الله يعـتز بهـذه الأشياء القــديمة , فالساعة معـلقة فـى جـيبة فإذا نام وضعها تحـت رأسـه ليسـمع دقاتها الموسـيقـية الجـميلة , والعـصا الأبنوس يحـمـلها فـى يده خاصـة عـندما يذهـب مع التشريفة الـملكية بقـصـر عـابدين , وقـد رأيته يحملها فـى يده أكثر مـن مرة ربما كانت لزيارات مهـمة , والأبريق والأكواب أحـتفـظ بها فى الصندوق المسمى السحارة , وبعـد وفاته أحـتفـظت أنا بالأبريق والأكواب والعـصا والساعة إلا أن الأخـيرة قـد توقـفـت وتحـتاج للإصلاح .
واستأثر عـبداللطيف عـبود بزراعـة القـطن والكتان فـى ذلك الـزمـان بقـريتنا وربما عـلى مستوى القرى المجـاورة لأن هـذه النوعـية مـن الزراعات تحـتاج مجـهـود وعـناية ورعاية وتكاليف لا يقـدر عـليها الكثير مـن الزراع ومع هــذا نجـح عـبد اللطيف فـى زراعـته نجـاحا أسعـد كـل المقـربين والواثقـين فـيه وتحـقـق مـن نجـاحه الخـير الكثير .
سمعـت مـن والدى قـصة لطيفـة تدل عـلى رعاية جـده له وحـفاوته به فـقال : - لقـد كـنت رفـيقا ً وونيسا ً لجـدى يرحـمه الله فـذهـبت معـه يوما إلى الدّوار الغربى وجـلس جـدى مع مجـموعـة مـن أبناء عـمومـته يتجـاذبون أطراف الحـديث وتطرق الكلام إلـى سـؤال مـن الأصلح ذرية الـبنات أم ذرية الـبنين ؟ وطبعا ً اتفـق الجـميع عـلى أن ذرية البنين هـم الأصلح ! وفجأة وجـدت جـدى محـمد بيك يسألنى إيه رأيك يا عـبد اللطيف ؟؟ فـقـلت : - ذرية البنات أصلح فـتعجـب الجـميع من قـولى وسألنى جـدى لماذا ؟ فـقـلت:- عـند وفـاة أبيهـن يصرخـن ويقـلبن عـليه الـدنيا !! فـضحـك الجـميع وضحـكـت معـهـم .

وهـذه الحكاية مع كونها نكـتة لطيفة لها دلالة وذات مغـزى كـبير , فـهى تدل عـلـى أن عـبداللطيف عـبود قـد اكـتملت شخصيته فى سـن مبكرة فـهـو لا ينقـاد وراء الآخرين ويعـلن رأيه بالمخالفة عـلى الرغـم مـن صغـر سنه فـى هـذا الوقـت, وكان سنه وقـتها حوالى أثنتى عـشرة سنة بينما أقـترب جـده مـن سـن السبعـين , وفعلا فـقـد لمست أنا من والدى عـدم الإنقـياد وراء الآخرين فكان يرحـمه الله لا يستخـفـه المـدح ولا يسـتفـزه القـدح.
وعـلى العـمـوم فحـب ذرية البنين لا تخـفى عـلى أحـد إلا أن حـسن تربية البنات يورث الجـنة, ولقـد توالت الأحاديث الصحيحة توجه المسلمين إلى رعاية الذرية وتحـث عـلى إكرام البنات وحسـن تربيتهن , ولقـد رأيت مـن والدى يرحمه الله رعاية وتكريما ًوحـسن صحـبة وتضحـية فى الإنفاق عـلينا بنين وبنات بمراحـل التعليم المخـتلفة , وأحـسـست منه صبرا ًفى الإنفاق بالرغـم مـن غـلاء تكاليف المعـيشة مع ثبات قـيمة إيجـارات الأملاك الزراعـية بسبب تطبيق قانون الإصلاح الزراعى فجـزاه الله عـنا خـير الجـزاء .
والذى نخـلص إليه أن القـدوة هـى مـن أعـظم وسائل التربية رسوخا ًوتأثيرا ً, ولقـد عـاش عـبداللطيف عـبود فـى بيئة يصنع أحـداثها ثلاثة مـن الأقـطاب البارزة الأول جـده / محـمد بيك عـبود قـطب الزهـد والورع والثانى عـمه المهندس/ عـبود بيك قطب العمـل الإجـتماعى والثالث خـاله الحاج/ عـبدالمجـيد الصياح قـطب القـوة والشجاعة , ومن هـذه البيئة تشرب عـبداللطيف مبادئ الخير مـن صدق وأمانة وعـفـة ورحمة فأصبح هــو أيضا قـدوة صالحة فى فعـل الخـير والإبتعاد عـن الشر وإتباع الحـق ومجـانبة الباطل والإقـدام نحـو معالى الأمور والترفـع عـن السفاسف والصغائر .

ومرت الأيام وتولى الشيخ/عـبداللطيف عـبود منصب العـمدية بقـرية ناهـيا عام 1945م تولى وهـو مـدعـوم بأخلاقـياته الحسنة ومبادئه الرفـيعة ويومها قال الناس لقـد عادت العمدية إلى بيتها , وكان من سيرته وسلوكه أنه دائما يأمر بالمعروف ويدفع الناس دفعا ًإلى الوفاء والفضل ولقـد سمعـت من الناس عـديدا ًمن المواقـف التى تؤكـد تأثره بأخـلقـيات جـدنا الأعـظم صلى الله عـليه وسلم فكان جـوادا ً فــى مساعـدة المحـتاجين وطلبة العـلم ثم كان سترا ًوعـونا ًللمسلمين وقال صلى الله عليه وسلم (من ستر مسلما ًستره الله يوم القـيامة ).
يحكى أبوالحـديد أمين شيخ خـفـراء أبورواش قـصة ليؤكد طيبة عـمدة ناهـيا دون أن يدرى أنه والدى فـيقـول :- فى مطلع الشباب كنت أعـمل باليومية فى طائفة المعـمار وبعـد إنقـضاء يوم العـمل بناهـيا وقـفـت ومعى شابين من أبى رواش مع زملائنا فى الطايفة من أبناء ناهـيا فـوقع إشتباك بالإيدى بدأ بلكمات عـلى سبيل المزاح ثم إنقـلب إلى اشتباك بالعصى وأتسع حتى ألتفـت الأهالى مـن حـولنا فـى شارع السهـراية يريدون الفـتك بنا ونحـن ندافع عـن أنفـسنا بكـل إستماتة وفـجـأة سمعـنا صوتا يقـول أبو عـبود حـضر وآخـر يقـول حـضرة العمدة حـضر وجـرى الجـميع وفـى كـل أتجاه وأنفـضوا مـن حـولنا ووجـدتنى وزملائى واقـفـين فـى مواجـهة العـمدة الذى إندفـع إلينا مهرولا يحـمل فـى يدة خـيرازانة ومـن خـلفه خـفـير يحـمل بندقـية !!!! فـلما أقـترب منا قال بلهجـة صارمة فى أيه يا ولد أنت وهـو؟ ولم نجـد ردا ً لسؤاله فـقال أنتم هـتقـفـوا أمام بلد لتموتوا ! ولم نرد فـلقـد كان للعـمدة هـيبة شديدة فـى الريف المصرى عـموما ًفـما بالك والعـمدة مـن أولاد الزمر ثم قال أنتم مـن أين؟ فجـمعـت شجاعـتى وقلت من أبو رواش يا حـضرة العـمدة فـقال أبن مـن؟ أنت وهـو ؟ فـلما قـلنا له أسماء أبائنا وجـدناه قـد تعـرف عـلينا جـميعا وقال أنت عـمك فلان وأنت خـالك فلان وأنت جـدك فلان وحـقـيقة لقـد كانت هـناك علاقات وثيقة بين أسرة الزمر وأهـالى أبو رواش خـاصة ثم قال العـمدة أذهـبوا ! فأنطلقـنا نحـن الثلاثة نتسابق حـتى خـرجـنا من القـرية فـقـلت لزملائى : العـمدة ده رجـل طيب وقال زميلى : كان ممكن يضربنا ويحـبسنا وقال الثالث : ده عـمدة أصيل إبن الزمر بحـق وحـقـيق .
وفى يوم تشييع جـنـازة السيدة/ فاطمة حـسن الزمر زوجـة الحاج/ عـبدالحميد عـبود أبوحـمود ألتقـيت مع مجـموعة مـن الرجال يتقـدمهم الحاج/محمد عـبدالموجـود عـبدالشافى أمام الجـمعـية الزراعـية فـلما عـرفـنى لهم وجـدت رجلا مـنهم يقـبل نحوى ويحكى لنا قـصة وقـعـت أحـداثها مع شخـصه عـام 1947م وفى ذات المكان الذى نقـف فـيه أمام الجـمعـية الزراعـية يقـول الرجـل :- كنت صبيا ًعـمرى حوالى 12 سنة وكنت قـد تعودت الخـروج مع الصبية للعـمل باليومية فى الحـقـول وفى يوم تشاكلت مع زميلى فـضربته بالشرشرة (سلاح مقـوس له يد يستخـدم فى تقـطيع الخـضر ) ووصل الأمر إلى حـضرة العـمدة عـبداللطيف وكان وقـتها يجـلس أمام الجـمعـية مع بعـض رجالات القـرية فـلما أرسل لأبى وحـضر أمامه وجـده رقـيق الحال كمثل حـال ذلك الرجـل والـد زمـيلى المـصاب فأخـرج العـمدة مـن جـيبه جـنيهين أعـطاهـما لوالد المصاب لعلاجه عـلى أن يتنازل عـن شكواه ! عـلما ًبأن أجـرة الكـشف والعلاج عـند الطبيب كانت وقـتها عـشرة قـروش فـقـط والعمـدة يعلم ذلك يقـينا لكن هـى الملاطفـة والرحمة التى وجـدناها مـن والدك العـمدة يرحمه الله وانتهت المشكلة بالصلح بين والدى ووالـد زميلى الـمـصاب .

وعـموما لقـد تحـقــقـت الفـائدة المرجـوة وتـبين لنا صفات كريمة وخـصال حـميدة تمسك بها العـمدة فأعـطى نموذجا مشرفا للعـمد ولقـريتنا, خـاصة وأن النغـمة السائدة فى أجـهزة الإعـلام تشوه صورة العمدة عـموما وتظهره عـلى أنه متكبر أو ظالم بما يعـتبر تجـنى واضح وظلم فاضح .
ولقـد عـشت أنا أحـداثا ً وقـعـت فى مطلع الستينات وكـنت شاهـد عـيان أنظر واسمع وأتعـجـب مــن عـظمة هـذه المواقـف منها أنه جاء فى يوم مـن الأيام أحـد مستأجـرى الأرض الزراعـية وكان يزرع لوالدى مساحة فـدانيين أرض جـاء هـذا الرجـل حـزينا باكيا ينعى وفاة زوجـته أم العـيال ! وزوجـة الفلاح هـى زوجـة عاملة ومنتجـة تساند زوجـها وتعـينه وهـذه سـجـية نساء الريف كـلهن , والرجل كان عـلى حـق عـندما قال لوالدى أم العـيال ماتت وخـرب البيت ! هـل تدرون كـيف كانت مـواساة العمـدة لهـذا الرجـل فـى هـذا المـصاب ؟هـل أكتفى العمـدة بالكلمات المعـتادة فـى مثل هـذه الحالات شد حيلك أو البقاء لله أو أعـظم الله أجرك! نعم لقـد قالها العمدة وقـلتها أنا أيضا لذلك الرجل لكن العمـدة له مواقـف تؤكد أنه كان نسيج وحـده ! لقـد كانت مواساة العمدة أكبر مـن الكلمات لقـد قال له :- إيجار السنة دى تركـته لك تعـويضا ومـواساة فـى هـذا المصاب !!! يرحمك الله يا أبى لقـد كنت فى مجـلس الكبراء كبيرا ً ومع الفـقـراء معـينا ً .
يقول الحاج/ حسين عامر الزمر :- أبوك لـم نر مثيله فـى حـسن هـندامه فـلقـد كان يرحمه الله يرتدى الجـبة والقـفـطان والطربوش الأحـمر والعـمامة ويمسك فـى يده العـصا وكلها ذات ألوان متناسقة تدل عـلى حـسن الإخـتيار والذوق الرفـيع.
ويقـول الإمام الشافعى فـى هـذا المعـنى :-
حسـن ثيابك مـا اسـتطـعـت فـإنها *** زين الرجال بها تعـز وتكـرم
ودع التخـشن فى الـثياب تواضعا *** فـالله يعــلــم مـا تكـن وتكــتـم
فـرثيث ثوبـك لا يـزيـدك رفـعــة *** عـند الإله وأنت عـبد مـجـرم
وجـديد ثـوبـك لا يضرك بعـد أن *** تخـشى الإله وتتقى ما يحـرم
وعـن عـبدالله بن مسعـود رضى الله عـنه قال: قال رسول الله صلى الله عـليه وسلم لا يدخـل الجـنة من كان فى قـلبه مثقـال ذرة مـن كـبر فـقال الرجـل إن الرجـل يحـب أن يكون ثوبه حــسنا ًونعـله حـسنة فـقال صلى الله عـليه وسلم إن الله جميل يحـب الجـمال الكـبر بطر الحـق وغـمـط الناس .رواه مسلم .
ويقـول عـز وجـل(ولاتصـعـر خـدك للناس ولا تمـش فى الأرض مـرحا إن الله لا يحـب كل مختال فخور) أيه11 من سورة لقـمان ولقـد ورد لفـظ الإخـتيال مرادفا ًللكبر والإختيال أو الكبر صفـة ذميمة نهى الإسلام عـنها وشنع عـليها إلا فى مواضع كمواطن ملاقاة العـدو بغـرض إظهار الثقة والثبات كما حـدث من الصحابى الجليل أبى دجانه فى يوم أحـد إذ خـرج متقـلدا سيف النبى صلى الله عـليه وسلم وقـد عـصب رأســه بعـصابة حـمـراء وأخـــذ يتبخـتر بين الصفـوف فـلما رآه النبى عـلى هـذه الهيئة من الخـيلاء قال :- إنها لمشية يبغـضها الله إلا فـى مـثل هـذا المـوطن .

والإخـتيال فى الملبس يكون بتجـاوز حـد الإعتدال فى التزين , لكن التزين المعـتدل بقـصد إظهار نعـمة الله وحسن المظهر لا حـرج عـليه حيث قال عـز وجـل (يابنى آدم خـذوا زينتكم عـند كل مسجـد وكلوا وأشربوا ولا تسرفـوا إنه لا يحـب المسرفـين قـل من حـرم زينة الله الذى أخـرج لعـباده والطيبات مـن الرزق ؛ قـل هى للذين آمنوا فى الحـياة الدنيا خـالصة يوم الـقـيامة وكذلك نفـصل الآيات لقـوم يعلمون)آية 31/32 من سور الأعـراف .
يقـول الأستاذ/ مكرم مخـتار الزمر:- عـندما كنا صبية صغار نلعـب فى المتسع أمام جامع سيدى عـمر فإذا رأينا العـمدة خارج مـن درب الحـسنية نوقـف اللعـب هـيبة وإحـتراما ً له , وكان هـو يقـدر منا هـذا السلوك فيلقى عـلينا السلام وكنا نتعجـب من هـذا إذ كيف يلقى عـلينا السلام وهـو العـمدة بينما يمر عـلينا أناس كثيرون أقـل منه مكانة فلا يلقـون عـلينا سلاما ً أو كلاما ًنعم نعم لقـد كان عـمدة طيب .
وهـناك قـصة لطيفة تدل عـلى أفـضلية من يبدأ بالسلام وقـعـت أحـداثها عـلى عـهد رسول الله صلى الله عـليه وسلم نذكرها لتكتمل الفائدة , فـلقـد ورد فى الأثر أن عـمربن الخطاب رضى الله عـنه ذهـب يوما ًيشكو عـلـى بن أبى طالب إلى رسول الله صلى الله عـليه وسلم ويقـول "يارسول الله إن عـليا ً لا يقـرؤنى السلام إلا إذا بدأته أنا بالسلام " فـيستدعى الرسول الكريم عـلى بن أبى طالب ويسأله "لماذا لا تلقى السلام عـلى عـمر يا عـلى فـيقـول عـلى بن أبى طالب يا رسول الله لا أبدأ عـمر بالسلام لأننى سمعـتك تقـول مـن بدأ أخاه بالسلام بنى الله له قـصرا فى الجـنة فأحـببت أن يكون هـذا القـصر لعـمر " فـبادر يا أخى بإلقاء السلام عـلى أخوانك حتى تكون لك قـصورا ً فى الـجـنة .

وبعـد حـادثة مقـتل الدكتور/ طه بيك الزمر تأزم الوضع فى ناهـيا وأصبح الجـو كئيبا ًوخـرجـت مظاهـرات الغـضب وفـيها الفلاحـون يحـملون الفـؤوس والعـصى يقـودهـم ثلاثة مـن شباب أسـرة الزمر هـم كمال الزمر وعـبدالفـتاح عـبود وعـمر عـبدالمجيد الصياح وراحـت هـذه المظاهـرات تهاجم بيوت أولئك الذين كانوا يحـسبونهم مـن خـصوم الدكتور/ طه وأخـذ عـمر عـبدالمجيد يطلق النيران عـلى أبواب وشبابك تلك البيوت فـوقع فـزع شديد بالقـرية وتعـطل العمـل بالحـقـول والحـوانيت وتداعـت الأحـداث سريعا فـوقـعـت سلسلة مـن ردود الفـعـل والإعـتداءات ويعلق الحاج/ عـبدالفـتاح إبراهـيم النجار عـلى هـذه الأحـداث فى كلمات بسيطة ومعـبرة فـيقـول : أسرة الزمر لا يحاسبها ولا يقـف أمامها إلا أسرة الزمر.
وأحـس العمدة عـبداللطيف عـبود أنه أصبح غـير قادر عـلى العـطاء فـتقـدم بالإستقالة أكثر مـن مـرة كوسيلة ضغـط عـلى المتخـاصمين لقـبول المصالحة , وفى كل مرة يرفـضها وزير الداخلية فـؤاد سراج الدين بعـد أن تفـهم الوضع فى ناهـيا بينما تدخل مراد بيك الزمر ليؤكد له أن عـبداللطيف عـبود هـو صمام الأمـن وخـروجه مـن العمـودية فـى ذلك الوقـت سيتسبب فـى وقـوع أحـداث لا يحـمـد عـقـباها , وفى سنة 1950م تمت المصالحة بين القـطبين المتخاصمين مرادبيك عـضو مجـلس النواب وعـلى بيك عـضو مجـلس الشـيوخ وبجـهـود الرجال المخـلصين من أبناء أسـرة الزمر ومسـاندة حـشد مـن الأصدقاء والمسـئولين فـى ذلك الوقـت يتقـدمهـم الأستاذ/ محـمود باشا غـنام وزير التجارة وسكرتير حـزب الوفـد الحاكم واللواء / عـثمان باشا خـليل مـدير مـديرية الجيزة والمهندس/ عـبود بيك الـزمروكـيل وزارة الـرى ورئيس رابطة أبناء مـديرية الجــيزة؛ ومرت الأيام وانتهت فـترة العـمـدية الأولى ولم يتقـدم عـبداللطيف عـبود بالتجـديد فآلت إلى العمـدة/احمد حـسن وشهرته/ مخـتار الـزمر ثم قـامت الثورة الـمباركة أعـقـبها هـدوء حـذر مترقـب فـى كل الـريف عـموما خـاصة وأن الثورة قـــد أظهرت سـوء نيتها تجـاه كل رجالات العهـد السابق وبدأ عـهـد جـديد وفـكر جـديد يشـمل كـل مـناحى الحـياة فى جـمهورية مصر وكان لابد من تغـيير المـسار وإخـتيار الطريق فـرحل عـبداللطيف عـبود إلى مدينة الجيزة ومعه أبنائه الأربعـة الكبرى أعـتماد يليها عـبود ثم أحمد وأصغرهـم سعاد وظل عـبداللطيف عـبود يتردد عـلى القـرية بين الحـين والحـين وفى فـترات الأجازات المدرسية والصيفـية حتى وافـته المنية فى يوم 20/9/1973م عـن عـمر يناهـز السبعـين.

وفى صيف عام 1954م جرت محاولة أخيرة لإقـناع عـبداللطيف عـبود بالرجـوع للعـمودية مـرة أخرى كطلب أهالى القـرية, وفوجئ عـبداللطيف عـبود بقـدوم وفـد كبير يمثل أهالى وأسر قـرية ناهـيا يتقـدمهم مجمـوعة مـن أعـز أصدقائه هـم الحاج/ محمـد العـريان والحاج/ محمـود عـيسى والحاج/ عـبدالمحسن الحـلفاوى والشيخ/ صالـح السـيد عـبدالشافى قـدمـوا وكلهم أمل فـى إقـناعه ولكن عـلى مايبدو أن عـبداللطيف عـبود هـو الذى أقـنعهم بسلامة موقـفه خاصة أنه قـد وقـعـت أحـداث كثيرة مـتنوعة كانت وليدة الدفـعـة الثورية ويشتم منها روح العـداء لكل رجالات العهد القـديم فـلقـد تم مصادرة أملاك العائلة المالكة وصدر قانون الإصلاح الزراعى الأول فى سبتمبر 1952م وتم حـل الأوقاف الأهـليه وحـل الأحـزاب بعـد وصمها بالخـيانة , نعم لقـد أحـس عـبداللطيف عـبود أن هـذه الأيام ليست أيامه وآثر الإنسحاب إلى نافـذة عالية يطل منها عـلى الأحـداث والصراعات .
ولنا مع وفـد ناهـيا وقـفة ذلك لأنه أحدث قـلقا ً وريبة أثناء مروره بشوارع مدينة الجيزة لكثرة الرجال المشاركين فـيه ! فـلما وصل الوفـدإلى البيت رقـم 9 بشارع عـفـيفى قـسم أول وقـفـوا أمامه لإخـتيار عـدد منهـم للصعـود إلى شـقـة العـمـدة لإبلاغـه بالمطالب وكانوا يتكلمون بصوت عـال فـظن الجيران وأصحـاب المحـال بالشارع أن هـناك مؤامرة للتعـدى عـلى العـمدة فـتجـمهروا مـن حـول الوفـد بينما خـرج الحاج / محمد حسين طلبه وقـد أشـهر سـلاحه وهـدد بضربهـم وإبلاغ البوليس إن لم ينصرفـوا عـلـى الفـور!! { الشهامة والمرؤة ونجـدة الجـار صفات كانت لم تزل حـية فى نفـوس أبناء الشعـب المصرى فى ذلك الزمان ولكن الآن الوضع مخـتلـف } فأخـبروهـم أنهم يريدون عـودة العـمـدة الى منصبه بقـرية ناهـيا فـصعـد عـدد من الجـيران معـهم بعـد أن تحـقـقـوا من حـسن نواياهـم بينما وقـف أخرون يستمعون لسيرة العمدة فى قـريته ومن أولاد البلد ومن ثم فـقـد شاعـت سـيرة العـمـدة بمـدينة الجـيزة .
وحقـيقة لقـد كان عـبداللطيف عـبود شخصية فـذة وفـريدة وضحـت معالمها أمامى خـاصة عـندما رافـقـته فـى تحـركاته فى أواخـر سنوات عـمره وأتذكر أنه أصطحـبنى معه يوما ًلحـضور جـنازة مصطفى حـسين الزمر سنة 1972م وفى ذلك اليوم رأيت والدى يبكى فى الجـنازة وأظن أن والدى ما بكى فى جـنازة إلا فى جـنازة هـذا الرجل !! لقـد كان صديقا ًله فى الصغـر والشباب وجـمعـتهما لقـطة تذكارية أمام بيت عـبود فى شارع درب الحسنية أحتفـظت بها لفـترة ثم ضاعـت منى ؛ وبعد تشييع الجـنازة جـلست أسرة الزمر فى الدوّار لإستقـبال وفـود المعـزين وجـلست مع الجـالسين فى الديوان بالقـرب من والدى ومعـنا العـمدة/ مخـتارالزمر والأستاذ/ يحيى سعيد والحاج/ عـزيزهـمام والحاج/ عـلى حـسين والحاج/ محـمود حـمزه والأستاذ/ طاهـر عـلى والأستاذ/ كمال عـباس والأستاذ/عـبد العـزيز مراد وآخـرين من رجـال أسرتنا, وأزدحـم الديوان بوفـود المعـزين وجـلست وفـود أخـرى فى حـوش الدوّار خـارج الديوان, وعـندما أنتهى القارئ من قـرائته وقـفـنا لمصافحة المعـزين كالعادة وهـنا وقعـت المفـاجـئة !! فـعلى ما يبدو أن وفـود المعـزين المنصرفة من الديوان قـد أخـبرت وفـود المعـزين الجالسين خـارج الديوان بوجـود عـبداللطيف عـبود بالداخـل فـوجـدت جـميع المعـزين وقـد تدافعـوا إلى داخـل الديوان لمصافحـة والدى عـلى وجـه الخـصوص وتكرر هـذا الموقـف مرتين أو ثلاثة حـتى إنصرافـنا مـن الـدوّار.

هـذا الموقـف من أهـالى قـريتنا ناهـيا لم أر مثيله ولم يتكـرر مع أى شخـصية أخـرى حـتى الآن وحـقـيقة فإن حـب قـريتنا لعبداللطيف عـبود وتقـديرها له لم يأت من فـراغ بل جاء عـن لين جانب تعامل به العمـدة مع جـميع الأهالى فتسامح مع المخطئين فى حـقـه تسامحا ًما بعـده تسامح , ويقـول شهود العـيان أنه وقـعـت مشاجـرة بين رجـلين من الفلاحـين فـصرخ أحدهـما يتوعـد بالشكوى إلى حـضرة العـمـدة فـرد الآخـر قائلا : أنا لا يهـمنى العـمدة! ووصلت هـذة الكلمة إلى عـمر عـبدالمجـيد الصياح فـرأى أنه من واجـبه تأديب هـذا الرجـل المخطئ وحـفاظا ًعـلى هـيبة العمدة فـتربص به عـدة مرات وأعـتدى عـليه بالضرب , وعـلمت أسرة ذلك الرجـل فأجـتمعوا فى بيت أحدهـم ليتشاوروا فى كيفـية حـل هـذه المشكلة فـلما عـلم عـمر الصياح بأجتماعـهم سحـب بندقـيته وذهـب إليهم حـيث يجـتمعون ووقـف أمام البيت وقال :- من سيخـرج منهـم سـأضربه بالنار ! وأحـس المجـتمعون بوجوده أمام البيت فلم يقـو رجـل منهم عـلى الخـروج وكيف يخـرجـون وقـد وقـف أمام البيت أشـجع شـجـعان ناهـيا يتوعـدهـم ويتحـداهـم !! وأسرع بعـض الأهالى فأخـبروا العـمدة بذلك الحـصار وخـبر أؤلئك الأسرى فأسرع العمـدة بنفـسه وفـك الحـصار وحـذر عـمر من تكرار مثل هـذه المواقـف دون الرجوع إليه , وإذا بحثنا عـن كلمة تلخـص لنا جـوهـر التحـضر والرقى فـلـن نجـد غـير كلمة واحـدة تخـتزل جميع الخـصال الكريمة التى تميزت بها الشخـصية المصرية عـموما وتجـلت فى سلوك العمـدة ألا وهى كلمة"التسامح" التى أضحـت اليوم شعـار يرفـعه العالم فى وجـه النزاعات والحـروب الأهـلية .
وعـندما مرض والدى مرض الموت فى سبتمبر 1973م وجـدت الحاج / عـلى حسين الزمر واحـداً من ثلاثة يعـودونه صباحا ً ومساء أما الثانى فكان الحاج/ محمود عـيسى الزمر والثالث فكان شقـيقه من الرضاع عمى/ أبراهـيم زين الدين , وأستأذن القارئ الكريم لأوضح له مدى قـربى وحـبى لهذا العـم فوالله ما بكيت فى جـنازة الا فى جـنازة هـذا الرجـل حـتى ذلك الوقـت ؛ لقـد تعـلقـت وتعلق إخوتى بهـذا العـم تعلقا ً شديدا ً حتى إننا كنا نفـرح به فـرحا ًشديدا ً عـندما كان يزورنا يوم الجـمعة بالجـيزة , ومن شـدة تعلقى به أنى كنت أصر عـلى أن أذهـب معه وكان لابد وأن يتحايل معى حـتى يستطيع أن ينصرف وهـذا الحـب والتعـلق عـلى مايبدو كان إنعكاسا ً لحـب والدى له .

ونعـود إلى تلك الوفـود التى أخـذت تتوافـد حتى ضاق بها المكان ومن هـذه الوفـود التى تركت فى نفـسى أثرا ًعـظيما ًذلك الوفـد من أسرتنا وكان يتكون من العمدة/ مخـتار الزمر والشيخ/ أحـمد حـسين الزمر والحاج/عـزيز هـمام الزمر والأستاذ/ حاتم عـبدالحليم الزمر والحاج/ كمال محمد الزمر والأستاذ/ يحيى سعيد الزمر والحاج/ عـبده زكى الزمر دخـلوا جـميعا وكنت فى إستقـبالهم وبينما هـم قعـود حـول سرير أبى حـضر الشيخ/ حـسين ناصر{والد الأستاذ / أحـمد ناصر المحـامى ونائب الدائرة الحـالى } ولقـد لفـت نظرى شيئين الأول بكاء الشيخ / أحـمد حـسين الزمر حـيث رأيت الدموع تنساب من عـينيه وبلا توقـف وسمعـته يقـول لأبى"أنا والله لما أشوف تراب رجليك أفـرح " والشئ الثانى كلمة الشيخ/ حسين ناصر حيث قال وقـتها مانصه"ثلاثة من الرجال لا مثيل لهم عـمى زكى الزمر والحاج عـبدالمجـيد الصياح الزمر والعـمدة عـبداللطيف عـبود " .
وجاءت وفـود أخـرى أتذكر منها وفـد الفـقـهاء والشيوخ يتقـدمهم عـمى الشيخ/ توفـيق عـبود ومعهم الشيخ / عـبدالفـتاح عـبدالجليل والشيخ/ السيد أبو عـجـلة والشيخ/ عبدالمقـصود جـوارى والشيخ/ محمد الطايش والشيخ / أحمد فـرج وابنه الشيخ/ محمد ولفـت نظرى فى هـذا الوفـد تكبير وتهليل ودعاء الشيخ/ أحمد فـرج ثم قرائته الفـاتحة فـوق رأس أبى .

وجاء وفـد أسرة عبدالشافى يتقـدمهم الشيخ/ صالح السيد عـبدالشافى وشعـرت بهيبة وأهـمية هـذا الرجل من طريقة استقـبال والدى له لقـد اعـتدل فى سريره وأخـذ يحـادثه ويضحـك معه ؛ وجاء وفـد الجـزارين يتقـدمهم الحاج/عـبدالحميد منصور ولاحظت لهـفة من هـذا الرجـل وتعـظيما ًمن ذلك الوفـد وثناء عـلى والدى ولفـت نظرى وقـتها رجـلين من ضمن الوفـد حضرا بالسكاكين وعـلى مايبدوا أنهما تركا الذبائح وانضمـا للوفـد عـلى إسـتعـجال .
واشتد المرض عـلى أبى ورأينا نقـله لمستشفى غـمرة العسكرى ودخـلت عـليه فـى غـرفة الإنعـاش فـوجدته فى سكرات الموت ينظر ولا يرى يشير ولا يتكلم ورأيته يرفع يده اليمنى ثم يشير بالسبابة إلى فـمه ثم تسقـط يده إلى جواره وكأنى به يتلفـظ بالشهادة ولم اتحمل أنا هـذا الموقـف فخـرجـت مسرعا باكيا ًودخـل المرحوم المهندس/ محـمد جـمال ربيع فـلقـنه الشهادة وبعـد ساعة خـرج الحانوتى عـلينا وهـو يعلن بصوت مرتفع"الميت ده رجل صالح إنه يضحك" وحـقـيقة فإن المسلم لا يمـوت حـتى يرى مقـعـده من الجـنة , ومات العـمدة /عـبداللطيف عـبود الزمر لتبقـى لنا قـصة حـياته وسيرته الحـسنة شيئا ًنعـتز به نحـن والأجـيال القادمة.
وفى يوم وفاته جـاءت برقـيات العـزاء من جـميع أنحاء الجـمهـورية , فـسجـلت أكـبر عـدد مـن البرقـيات تصل إلى مكتب تلغـراف كرداسة حـتى ذلك الوقـت , فـبلغ عـدد البرقـيات الواردة حـوالى ثلاثمائة برقـية نصفـها من قـادة الجـيوش والوحــدات العـسكرية , وأبرزها برقـية وزير الحربية/ أحمد اسماعـيل؛ يقـول مندوب تلغراف كرداسة بأن حالة الطوارئ أعـلنت فى مكتب التلغـراف لإستقـبال هـذا الكم الهائل من البرقـيات عـلى مدى يومين كاملين بما لم يسبق له مثيل من قـبل .

وفى يوم 21/9/1973م جـاء مندوب رئاسة الجـمهورية فأصطف لإستقـباله كل من الحاج/عـبدالفـتاح عـبود الزمر والعقـيد/ حسين عـبود بيك الزمر والأستاذ/عـبدالعـزيزأفـندى مراد الزمر والحاج/ محـمود محـمد حمزة الزمر والأستاذ/ كمال محـمد الزمر والحاج /عـلى حـسين حـسين الزمر والأستاذ/ حاتم عـبدالحـليم الزمر والأستاذ/ محـمد أحـمد الزمر والحاج/ عـزيز هـمام الزمر والأستاذ/ يحـيى سعـيد الزمر والحاج/ هانى عـبد المجيد الزمر والحاج /عـبده زكى الزمر والعقـيد/ إبراهـيم سعـيد الزمر والمهندس / طاهـر عـلى الزمر والعـمدة/ مخـتار الزمر والأستاذ /عـبدالمنعم محـمد عـمر ودخـلوا معه إلى الديوان ورأيت الأستاذ /عـبدالمنعم وهـو يتعـرف به ويعـرفه بنفـسه بطريقـته التى تعـودنا أن نراها مـنه .

وجاء فى بيان رئاسة الجمهـورية المنشور بجـريدة الأهـرام فى 22/9/1973م أن السيد /رئيس الجمهـورية محـمد أنور السادات قـد أوفـد أحـد كبار ضباط الحـرس الجمهـورى لتقـديم واجـب العـزاء فى وفاة عـميد أسرة الزمر فى ناهـيا؛ وبفـرش العـزاء تفـضل الشيخ/ فـتح الله ياسين جـزر والأستاذ/ إبراهيم عـبداللطيف زيادة فـقالا كلمتي تأبين فى مناقـب ومحاسن الفـقـيد رحمه الله , فـيارب وسـع مدخـله وأكرم نزله وأغـسله بالماء والثلج والبرد وأجـمعـنا به عـندك فى الجـنة إنك عـلى ما تشاء قـدير وبالإجـابة جـدير. وفى منتصف شهر نوفـمبر وصلتنا رسالة عـزاء من أقاربنا بالصعـيد سعـدنا بها كثيرا وتشوقـنا لرؤية مرسلها من بعـد أن شعـرنا بحـبه وقـربه منا ؛ واحتفـظت بالرسالة وأشـرف بنشرها كخاتمة مسك لهذا المقـال وهى مكتوبة بخـط حـسن ومتميز وبطريقة منسقة أجـمل من النسق التالى :--
بسم الله الرحمن الرحيم
جـل المصاب فـما بالقـلب مصطبر قـد هـزه الحـزن إذ وافى له الخـبر
مـديرية قـنا للتربية والتعـليم
قـطاع قـنا جـنوبا ً التعليمي
-----------
المربية الفاضلة / اعـتماد عـبد اللطيف عـبود الزمر ...... بالمدرسة القـومية بالجيزة
تحية إكبار وتقـدير وإعـتزاز .. وبعد
سمعـت اليوم بعـد عـودتى مـن رحـلة خـارجـية نبأ وفـاة المـرحـوم والـدكم مـن أحـد الــزملاء فأسئت جـدا ً لهـذا الخـبر لـذا أقـول :
يا جـيرة الـجـيزة الخـضراء تعزية إنـــا عـلى فـرقـة الأوطان نعـتذر
فـالرزء جـلل والمـصيبة عـظيمة ، وما كان فـقـد والدكم فـقـد شخـص ولكـن بنيـان تصـدع وركـن هـوى ونجم أفـل.
إن الوالد العظيم كانت له عـندى محـبة خـالصة وتقـدير كبير ، ولقـد اجتمعـت به فى ناهـيا وكان معى صديقى وابن عـمى العزيز المرحـوم المهندس / عبود بيك الزمر رحمهـما الله رحمة واسعة وأسكنهـما فـسيح جـناته وجـمعـنا بهـما فـى جـنة صـدق.
وأرجـو تبليغ شقـيقـيك النقـيب / عـبود وأحـمـد تعـزيتى ، والعقـيدين / حسين وأحمـد عـبود تعـزيتى ، وسأحـضر شخـصيا ً عـما قـريب ومعى ابنى النقـيب / محـمـد تاج الدين بالـقـوات الخـاصة المسـلـحة " كوماندوز " بعـد عـودته سالما ً من إتمام النصر للعـزاء بأنـفـسنا وهـذا أقـل واجـب نقـوم به وخـتاما ً أدعـو الله أن يبارك فـيكم وأن يلهـمكم الصبر إنه سمـيع قـريب مجـيب الدعاء .
والسلام عـليكم ورحمة الله وبركاته ،،
أحمـد عـلى إبراهـيم الزمر
المفـتش بمديرية التربية والتعليم
قـطاع قـنا جـنوبا ً
فى 5/11/1973 م
وبعد نحو شهر تقـريبا ً جاء الأستاذ/ أحمد ومعه صديق له اسمه اللواء عـبد اللطيف ليقـدما التعازى فى وفاة العـمدة وكما سعـدنا برسالته من قـبل سعـدنا برؤية شخـص الكريم فوجـدناه رجلاً وسطا ً ذا قـوام معتدل وهـيئة نظيفة ومنظروقـور يبعـث عـلى الإحـترام , وعـندما تكلمنا معه وجـدناه رجـل مثقـف وعـلى عـلم ودراية بتاريخ العائلات ومحـب لأهـله وقـرابته ؛ وأنهى الجلسة على وعـد بالزيارة لنا مرة أخـرى ومعه زوجه السيدة / تفـيدة وعـدنا وهـو لايدرى ما تجرى به الأقـدار؛ وبعـد نحـو شهر تقـريبا ً جاء الخـبر فى رسالة من النقـيب / تاج الدين يخـبرنا بوفاة والده فى حاـدثة تصادم فى اليوم التالى لزيارته لنا فعاد الى بلده قـنا محمولاً عـلى الأعـناق وقـد مات موت الشـهـداء فـصدمت فـيه وحـزنت عـليه رحـمه الله وهكذا أتى عـلى الكل أمر لا مـرد له حـتى قـضوا فكأن القـوم ماكانوا ، وتقـول العرب إن فـنى الجـسم فـقـد بقى الأسم بسيرته الحـسنة مثلا وقـدوة عـلى مـر الأيام وهـكذا دوام الحال مـن المحال ونسأل الله القـبول وحـسن الخاتمة آمين &&&

الأربعاء، 27 مايو 2009

تنويه هام

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين ......
نود ان نلفت نظر القارىء الكريم أن هذه المدونة " مواقف وتعليقات 2 " هى امتداد للمدونة " مواقف وتعليقات " التى يمكن الإطلاع عليها عن طريق البحث من خلال الصفحة الرئيسية بكتابة العنوان " http://alzomar.blogspot.com “ أو " مواقف وتعليقات احمد الزمر " ونحن فى انتظار تواصلكم معنا عن طريق البريد الالكترونى وهو " ahmedalzomor @rocketmail.com”أو " alzomor.smith@gmail.com "
مع خالص تحياتى ......
احمد عبداللطيف عبود الزمر
27 مايو 2009